عرف الإنسان فوائد العسل منذ القدم، وقد استخدم العسل كمادة غذائية وعلاجية، حيث عرف عن العسل قدرته على علاج بعض الأمراض وانه مادة علاجية مضادة للميكروبات وأيضا مادة معقمة.
المقال التالي للدكتور نزار حداد من المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي وبالتعاون مع الجمعية الأردنية للبحث العلمي يستعرض أهم الدراسات العلمية التي تناولت الاستخدامات الطبية لعسل النحل.
استخدم العسل في معالجة الجروح منذ أكثر من 2000عام، وحديثاً سُجّل للعسل تأثير مثبّط لحوالي 60 نوعا من البكتيريا الهوائية واللاهوائية والأنواع غرام(+) وغرام (-)، كما تبين أنّ له تأثيرات مضادة للفطريات وأنواع من الخمائر والأسبيرجلس والبنسيليوم.
ولعلّ اكتساب العديد من الميكروبات مقاومة لأنواع من المضادات الحيوية حالياً، أحد الأسباب الرّئيسة لإعادة تقييم الاستخدامات العلاجية لعسل النحل، الذي يستعمل على نطاق واسع كمضاد للميكروبات والتهابات اللثة ونسيج القناة الهضمية والالتهابات الجلدية وغيرها من الأمراض.
وتعد الخواص المضادة للبكتيريا في العسل من أسهل الخواص فهماً ودراسة، وتفسّر هذه الخواص من خلال عدد من الصفات التي تتوفر في العسل الطّبيعي وأبرزها:
ارتفاع نسبة السكريات في العسل الطبيعي مما يجعله متمتّعاً بأسموزية عالية تجعله قادراً على سحب المحتوى المائي الموجود في خلايا البكتيريا والفطريات فيؤدي إلى قتلها.
درجة الحموضة للعسل الطبيعي PHتتراوح بين (3.3-4.4) مكتسباً بذلك خاصية حمضية تثبّط نمو معظم أنواع البكتيريا.
قدرة العسل على إنتاج بيروكسيد الهيدروجين خلال التكوين البطيء لحمض الغلوكونيك من سكر الغلوكوز، الذي يتميز بخاصية مضادّة للميكروبات، مما يجعل العسل مثالي في معالجة الجروح والأضرار النّاتجة عن الإصابة بالبكتيريا.
إنّ اختلاف مصادر الرحيق يجعل أنواع العسل تتمتع بخواص مختلفة، فبعضها يحتوي كمية كبيرة من إنزيم الكاتاليز المسؤول عن معادلة بيروكسيد الهيدروجين المتكون في العسل أثناء وجوده على الأنسجة المصابة ليتسبب في شفائها.
أظهرت الدراسات أن أهم المثبطات البكتيرية في العسل هو بيروكسيد الهيدروجين الذي ينتج عن تفاعل غلوكوز الرحيق مع إنزيم غلوكوز أكسديز الذي تفرزه الغدد البلعومية في النحلة ليضاف إلى الرحيق فيتحوّل إلى «عسل»، وبذلك يتم على فترات أكسدة كميات صغيرة من الغلوكوز إلى غلاكون لاكتون، الذي يتوازن مع حمض الغلوكونيك(الحمض الأساسي في العسل)، وتستمر هذه العملية حتى إتمام نضج الرحيق ويتكون مع كل جزيء «أكسيد غلوكوز» منتج أثناء التفاعل جزيء واحد من بيروكسيد الهيدروجين و تكمن وظيفته في الحيلولة دون فساد العسل الناضج. ومع استمرار هذه العملية وبفعل إنزيم «الكاتاليز» الموجود في العسل يتحلل بيروكسيد الهيدروجين عقب تكونه فينطلق منه الماء والأكسجين النّشط الذي يمتلك أثرا مثبطا على البكتيريا. وقد تبيّن أنّ عسل الندوة العسلية يحتوي على كمية أعلى من إنزيم الكاتاليز، ولزيادة فاعلية العسل عامة وعالي الكثافة خاصة لا بدّ من استخدامه كمحلول مخفف سواء كان للجروح الخارجية أو في حال تناوله عن طريق القناة الهضمية وذلك لأنّ إنزيم غلوكوز أكسديز يكون عادةً عديم الفاعلية في العسل عالي الكثافة والأوساط الحامضية.
وبشكل عام كلما تعددت مصادر الرحيق النباتية وجاء العسل عنبري وأغمق لوناً زادت فعاليته المضادة للميكروبات. فهو أعلى فاعلية ضد بكتيريا غرام (+) ، مثل البكتيريا المتسببة بمرض الدفتيريا وبكتيريا الجمرة الخبيثة وبكتيريا ستربتوكوكس وستافيلوكوكس وأنواع البكتيريا التي تسبب التسمّم المعوي ، وأقل فعالية ضد بكتيريا غرام (-).
استخدامات العسل الطبية والملاحظات السريرية:
يستخدم العسل في علاج الالتهابات وعلى نطاق واسع حيث يعالج التهابات أجهزة الجسم الداخلية مثل التهابات الجهاز الهضمي والتهابات الجهاز التنفسي والبولي والتناسلي والتهابات العيون ، والالتهابات الخارجية الملازمة للجروح والحروق والقروح بما فيها تقرحات القدم السكرية والدمامل والتهابات العمليات الجراحية ، وقد سجلت حالات استجابت فيها الالتهابات الجلدية للعلاج بالعسل في الوقت الذي فشلت المضادات الحيوية التقليدية والمطهرات في علاجها.
ولتحقيق فائدة أكبر للعسل على الأغشية المخاطية والقناة الهضمية (تجويف الفم والبلعوم والمريء) ينصح بتناول العسل على جرعات صغيرة وإبقاؤه في الفم حتى الذوبان بسبب قدرة الأغشية المخاطية وأنسجة التجويف الفمي على امتصاص جزيئات العسل. وقد تبيّن أنّ العصارة المعدية والمعوية تقلل التأثير المضاد للميكروبات في العسل لذلك ينصح بشرب محلول صودا قبل تناول العسل بهدف معادلة التفاعل الحمضي للعصارة المعدية، أو تناوله مع الحليب أو حتى إضافته الى كأس ماء دافىء. وللعسل تأثير يوصف بأنه تدميري على بكتيريا هليكوباكتر بايلوري التي تعدّ أحد أسباب تطور قرحة المعدة.
وفي تجربة لعالم البكتيريا الأمريكي ساسيت استنتج فيها أن العسل يشكل بيئة غير مناسبة لحياة البكتيريا بسبب محتواه من البوتاسيوم الذي يمتص رطوبة البكتيريا. حيث قام بإضافة أنواع مختلفة من البكتيريا الممرضة للعسل، الذي استطاع القضاء على بكتيريا حمّى التيفوئيد في 48 ساعة وبكتيريا حمّى نظيرة التيفوئيد خلال 24 ساعة والبكتيريا المسبّبة للدسنتاريا خلال 10 ساعات وأنواع أخرى من البكتيريا في 5 ساعات.
نظراً للتأثير المضاد للميكروبات في العسل أصبح يستخدم بشكل واسع في تعقيم الإصابات الجلدية المختلفة، وتتمثل القدرة الشفائية للعسل على تسريع حركة الدم والليمف في الأنسجة المتأذية ، فتزداد تغذية الأنسجة في تلك المنطقة وبالتالي تزداد سرعة تجدد ونمو الخلايا، بالإضافة إلى توفير وسط مضاد للميكروبات المختلفة.
ولبعض أنواع من العسل سمعة جيدة في هذا المجال مثل عسل أشجارالمانوكا في نيوزلندا حيث يعتبر جزءا من الفلكلور النيوزلندي إذ تمّ استخدامه في الطب الشعبي القديم، ولا يزال من أشهرأنواع العسل في نيوزلندا ويمتاز بخفته وطعمه اللذيذ. وتجرى عليه الكثير من الأبحاث الأكاديمية والإختبارات التي تثبت بشكل دائم فعالية قوية لهذا العسل ضد الإلتهابات الميكروبية خاصة التهابات الحنجرة وأماكن الحروق والجروح.
ففي دراسة حديثة جرت في نيوزلندا لمعرفة فعالية العسل كمضاد للبكتيريا ، تم فيها استخدام نوعين من العسل : عسل أشجارالمانوكا وعسل أزهار متنوعة، عوملت إصابات جلدية، تم إحداث العدوى فيها ببكتيريا ستافيلوكوكس وجرى إلغاء عامل الأسموزية العالية للعسل بتخفيفه إلى الحد الذي تتوقف عنده فعالية النشاط الأسموزي في العلاج، وذلك لغرض دراسة أثر خصائص أخرى للعسل على الأنسجة المصابة غير الخاصية الإسموزية، فتبيّن أن كلا النوعين من العسل قد حقق أثر شفائي بنسبة جيدة ومتقاربة جداً. ويعود السبب إلى تواجد فوق أكسيد الهيدروجين بوفرة في عسل الأزهار المتنوعة، أما عسل أشجارالمانوكا المحتوي على نسبة أقل منه فقد أظهرفعالية – تقل عنه نسبياً – في قتل البكتيريا المتواجدة في مكان الإصابة.
وفي دراسة أخرى لعينة عشوائية تتكون من 50 مريض ، تمت معاملة جراح 24 مريضا ب 70% ايثانول بالإضافة إلى مادة اليود، في حين تمت معاملة جراح 26 مريض بعسل أزهارشجرالمانوكا ، تبيّن أن المجموعة التي عوملت جراحها بالعسل أظهرت شفاء تام في أقل من نصف الفترة التي احتاجتها المطهرات الأخرى لتحقيق الشفاء ذاته.
وفي مرضى أصيبت جراحهم بسلالات بكتيرية مقاومة للمضادّات الحيوية لوحظ أنه قد تحققت نتائج جيدة بعد خمسة أيام من تطبيق العلاج بالعسل.
ملاحظات عامّة:
العسل لا يوفّر بيئة لعيش ونمو البكتيريا ، إلا أنه قد يحتوي على أبواغ فعالة لأنواع منها مثل أبواغ بكتيريا الكلوستريديا ، لذا تتم معاملة العسل المخصص للاستعمال الطبي بأشعة غاما للقضاء على أبواغ الكلوستريديا دون أن تتسبب هذه الأشعة بأي خسارة أو ضرر على فعالية العسل كمضاد للبكتيريا وتعامل كميات كبيرة من عسل أشجار المانوكا- المذكورآنفا- بهذه الطريقة ويباع للاستعمالات الطبية.
وعلى الرغم من لزوجة العسل وتواجده في حالة التبلور على درجة حرارة الغرفة في أغلب الأحيان إلا أنه يصبح سائلاً على درجة حرارة الجسم وأكثر سيولة عند تخفيفه بنسبة معينة لمعاملة مكان الإصابة حيث تكون قدرته الشفائية أكبر بعد التخفيف كما ذُكر سابقاً.
يجب المداومة على تغطية مكان الإصابة بالعسل تغطية كاملة لضمان تركيز مناسب منه لتحقيق الشفاء التام.
الآثار الجانبية:
يعتبر عامل التحسس الذي قد ينجم عن استعمال العسل في العلاج نادر وينسب إلى مصدر الرحيق أو إلى نوع معين من حبوب اللقاح المتواجدة في العسل. ويمكن تفادي حدوث التحسس بالقيام بفلترة العسل من حبوب اللقاح حيث يبقى فقط الاحساس باللسع الخفيف في موضع التطبيق ويعود ذلك الى ارتفاع حمضية العسل نسبيا نتيجة لإفرازات الغدد البلعومية للنحل والأحماض الموجودة في العسل التي تصنّع خلال عملية التخمر للسكريات. ويؤثر على هذه الحمضية مدة وظروف التخزين ودرجة الحرارة، ويمكن التغلب على شعور اللسع هذا باستعمال عسل متعادل الحمضية.
ولعل أبرز ما يمكن أن يشعر به المصاب عند وضع العسل على الإصابة هو التسكين السريع للألم، والشعور بالارتياح، واختفاء التهيج.
وتجدر الإشارة هنا إلى أهمية دعم البحوث العلمية المشتركة ما بين باحثي تربية النحل والتّخصصات الصّيدلانية والطّبية في وطننا العربي ، حيث لوحظ خلال إعداد هذا المقال وبعد مراجعة عدد كبير من الأوراق والمراجع العلمية الضّعف الواضح في الأبحاث العلمية العربية على الرّغم من التّنوع الحيوي الكبير للنباتات الرحيقية في العالم العربي عامّةً وبلاد الشام خاصّة، حيث يزيد عدد الأنواع المزهرة من النباتات على 2500 نوع ، وقد يكون السبب وراء ذلك نقص التمويل في إجراء البحوث وضعف التنسيق بين الباحثين في مجال نحل العسل والتخصصات الأخرى.