بدأ البشر حياتهم بعد الولادة بأدمغة تحتوي على نفس العدد تقريباً من العصبونات ( الخلايا العصبية )، ولدى بلوغ الجنين شهره التاسع تتوقف خلاياه العصبية عن الانقسام ، وعندها يكون عدد خلايا الدماغ بحدود مئة بليون خلية عصبية، ذات محاور عصبية تمثل شبكة الاتصال الخلوية العصبية، وتقع هذه في معظمها في القشرة الدماغية، الشديدة التغضن، وتشكل القشرة الدماغية 80 % من مجمل حجم الدماغ، وهذه المنطقة تختص بالقدرات الذهنية التي يتميز بها الانسان كالتفكير، والتخيل، واللغة، والذاكرة، وقدرات الابداع وغيرها من الملاكات الفكرية والذهنية البشرية، وفي هذه القشرة الدماغية يتولى المخ تفسير وتنسيق مختلف
المنبهات التي ترد اليه من المراكز الحسية المختلفة لتقوم بعملية الموازنة والمقارنة والفرز ويتم كل ذلك في زمن قياسي اذ تتم خلال ثانية واحدة ملايين العمليات الفكرية والذهنية بدءا من استقبال المنبهات وحتى ترجمتها الى حقائق بصرية وسمعية ونطقية وغيرها.
لقد كانت هذه المعطيات وتفسيرها حكرا على الفلاسفة في عصور خلت، ولم يتم كشفها وتحليلها الا في العصر الحديث، عصر الكشوف العلمية، وتقدم علوم الاعصاب والتكنولوجيات المرتبطة بها كالتشريح المجهري، واستخدام المجاهر الالكترونية القوية والدقيقة واجهزة التخطيط والرصد الدماغى المتقدمة ومعدات التصوير المتقدمة والتصوير الصوتي.
وتقول الابحاث والقائمون عليها مثل خبيرة الاعصاب بجامعة كاليفورنيا الدكتورة “كاولا تاتز ” أن التنشيط الدماغي امر في غاية الاهمية لتطوير اداء الدماغ وقدراته فالانسان المبرمج خلقيا لاداء بعض الوظائف الاساسية للحياة كالطعام والنوم والتنفس اصبح منوطا به ان يتعلم الى ما هو ابعد من ذلك.
فالإنسان ومنذ ولادته حتى بلوغه يقوم بوضع اسس الدارة الاساسية لدماغه، ومع نموه تتولى تجارب الحياة وضع بصماتها وانطباعاتها وتأثيراتها على قدراته الذهنية، فقيام الانسان بوظائف جديدة وتعريضه لمنبهات حديثة تسبب تطورا في داراته العصبية بما يقوده الى خلق حالات ذهنية ابداعية جديدة لم تكن مخلوقة معه منذ الولادة وحتى آخر العمر فان الاستمرار في تنشيط الدماغ ومروره بالتجارب والتنبيه والحفز يزيد من قوة مراكزه العصبية الحسية ويقوي من قدرة اتصالها ببعضها.
يقول العلماء : ان البيئات الغنية بالعلوم والنشاط العلمي تحقق نموا مضطردا لدماغ الانسان في كافة مراحله ، فبيئة غنية بالبحث العلمي والعلوم ونشاطاتها وبالمراكز العلمية والتعليمية هى بيئة يمتاز انسانها بحظ متقدم من النمو العصبي والذهني والابداعي وبالتالي هي بيئة غنية بالاختراعات والاكتشافات والابحاث، ووضع النظريات الذهنية والتعليمية الحديثة، ففي حالة التعليم والتعلم التقريري والاجرائي فان الدماغ يتهيأ ويستعد للنشاط الحسي والحركي داخل عصبوناته وقشرته المخية ويكون وسائل اتصال حميمة مع معطيات البيئة التعليمية ومصادرها، وتستيقظ في الدماغ حالة العصف ذهني، بما يقود الى ابداع مركز وبالتالي التوصل الى اكتشافات واختراعات وابداعات حديثة وقدرات ذهنية عالية حتى اننا اصبحنا نقرأ بين حين وآخر عن اشخاص او اطفال موهوبين نافسوا وتفوقوا على الآلات الحاسبة في حل مسائل رياضية فالدماغ البشري المتمتع بالنمو الطبيعى، والتجارب المتصلة والإمكانات والمناخات العلمية المتطورة هو اقدر من ذلك الذي تحاصره الحاجة والفاقة فيبقى محصورا في كيف يحصل على الطعام والشراب.
هاشم سلامة