تعرف الشيخوخة بالمرحلة المتقدمة من مراحل العمر، ومن الصعب تحديد فترة زمنية معينة وثابتة للشيخوخة وهذا لا يقدر فقط بسنوات العمر بل بالواقع الصحي للمسن ومدی شعور الفرد بالعجز أو الفعالية مع متطلبات الحياة في المجتمع.
وأهم العوامل التي تحدد بداية العجز وسرعة تقدمه الاستعداد التكويني للفرد ويتفاوت سن الشيخوخة بين الناس والعائلات فمنهم من يصل اليه في سن مبكرة (60 – 50 ) ومنهم من يتعدى ذلك فوق (۸۰) عاما دون أن تظهر عليه علامات الشيخوخة .
ولا شك أن العامل الوراثي له دور كبير في ظهور الشيخوخة فمشاكل الشيخوخة في المجتمعات البدائية والتقليدية متدنية بالمقارنة مع المجتمعات الصناعية فالفرد يحظى غالبا بالرعاية والتقدير والاحترام والعناية والسلطة من قبل العائلة مع تقدم العمر.
أما في المجتمعات الصناعية فان مشاكل الشيخوخة كبيرة وهناك إحساس من الابناء بان الكبار عبء عليهم ، اقتصاديا واجتماعية وصحية ( عدم الإنتاج ، التواكل ، الإستهلاك ، الخدمات ) اذ من المعروف ان الشيخوخة ترتبط بقصور وعجز جسماني ، ودماغي ، وعصبي ، ونفسي……….. الخ .
فهناك وفرة من الأمراض الجسدية والنفسية التي تصيب المسنين خاصة أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم الشرياني وسكر الدم ، والكلى ، والكبد ، والأمراض السرطانية والمفاصل وهشاشة العظام وأمراض الرئة ، وتلف القشرة الدماغية وضعف الحواس خاصة البصرية والسمعية ، ومعظم الأمراض ناتجة عن تصلب الشرايين الواصلة إلى مختلف الأجهزة الحيوية في الجسم بسبب تقدم السن .
وهناك زيادة عالية في نسبة المعاناة من الكآبة والقلق وفقدان الذاكرة نتيجة تلف القشرة الدماغية وتدني كبير في النواقل العصبية التي تحفظ التوازن النفسي في مركز الانفعالات النفسية في الدماغ .
فالأمراض العصبية والنفسية ناتجة عن تلف وضمور الخلايا العصبية الدماغية ونتيجة لنقص الأكسجين الواصل إلى الدماغ بسبب الأمراض المصاحبة للشيخوخة.
إن أكثر الأمراض النفسية تحصل غالبا في فترة الشيخوخة بسبب هذه التغيرات البيولوجية في الجسم وبسبب الوضع الاجتماعي ( التقاعد ) وعدم العمل وبسبب تدني الدخل ، والعزلة الاجتماعية بسبب زواج الأبناء والابتعاد عن آبائهم وأكثر الأمراض النفسية شيوعا هي الكآبة والقلق بأنواعه المتعددة من ، فزع ، وخوف من الموت ، والوسواس القهري ، واضطراب النوم ( الأرق ) ، وضعف الذاكرة خاصة القصيرة المدى وكثرة النسيان ، وتكرار نفس الحديث ، وأحيانا وفي المراحل القصوى تصل الحالة إلى اضطرابات ذهانية إضطهادية وتشككية والشعور بالذنب و أوهام وهلاوس سمعية وبصرية واضطراب في السلوك مثل العنف أو الشكوك وسلوكيات جنسية منحرفة ، والانتحار وتسمى هذه الحالة حالة ذهان العمر المتقدم .
ويواجه المسنون مشكلة عدم القدرة على التكيف مع مستجدات الحياة ( التصلب الذهني ) وتدني في الكفاءات النفسية والجسمانية الكافية للتعامل من المستجدات اليومية مما يجعلهم متشبثين بالأفكار السلفية ، ويبدو ذلك واضحا من خلال قلة المرونة في التعامل وقصور الاستعداد لفهم الآخرين فتظهر سلوكيات مضطربة من العناد وصعوبة الاقتناع والحوار وفي المراحل المتقدمة تظهر الثورات العاطفية الانفعالية لشعورهم بالعجز الذهني وعدم القدرة على استيعاب الآخرين .
د. محمد عبد الكريم الشوبكي
مستشار الأمراض النفسية والعصبية
مصدر الصورة
pixabay.com