بوجود ظروف حياة جديدة، وجد أيضاً أغذية جديدة و أساليب مواصلات و تنقل جديدة ونمط حياة كامل جديد و ثقافات جديدة لم تكن موجودة في السابق و بالتالي انتشرت أمراض جديدة يقف الطب الحديث مكتوف الأيدي أمامها، رغم التطور العلمي المذهل الموجود، ورغم البحوث والدراسات التي تجرى والتي تكلف المليارات من الدولارات سنوياً، وأفضل مثال على ذلك هو داء السرطان فلو أخذنا بلدا لديه قمة التكنولوجيا الحديثة وهو الولايات المتحدة الأمريكية لوجدنا أن السرطان هو المسبب الثاني للموت فيها بعد أمراض القلب، فمن الإحصائيات يتوقع أن يصاب مليون أمريكي بهذا المرض، ويموت مريضين من بين كل ثلاثة مرضى في مدة أقصاها خمس سنوات، إما بسبب المرض أو بسبب عدم تحملهم للأضرار الجانبية للعلاجات الكيماوية
ويوجد دراسة من جامعة هارفارد تقول: أن ما يقارب نصف مليون أمريكي يصابون بالمرض و من ٢٪ إلى ٣٪ فقط سنوياً من المرضى الذين يتم علاجهم بالعلاج الكيماوي يستطيعون الشفاء من المرض. على الرغم أن ما تنفقه الولايات المتحدة على الأدوية الكيماوية في العام في حدود ٧٥٠ مليون دولار أمريكي.
أليست هذه مصيبة بكل المقاييس؟! وإذا أخذنا مجال آخر وهو انتشار الأوبئة بسبب الكائنات الحية الدقيقة البكتيريا و الطفيليات و الجراثيم بشكل متزايد وسريع والتي تقاوم بالمضادات الحيوية فإنها هي الأخرى غير مرضية. فقد بدأت المضادات الحيوية تفقد تأثيرها سريعاً و بدأت الميكروبات و الجراثيم تكون لديها مناعة ضد هذه المضادات الحيوية بسرعة رهيبة.
وفي هذا المجال أقول طالما لا يوجد علاج للمرض فتعتبر الوقاية من الأمراض هي الشفاء، وذلك لأنها تعطي حياة للمريض ووقاية من المرض. فالوقاية مهمة جداً وذلك لأنها تمنع المرض قبل حدوثه وذلك بتقوية جهاز مناعة الجسم وبتجنب أسباب حدوث المرض، ونذكر ما قيل في التراث ويقال أنه حديث نبوي في الطاعون و هو مرض معدي قاتل لم يكن له علاج في السابق ” وإذا وقع الطاعون ببلد ولست فيه فلا تقدم عليه وإن كنت فيه فلا تخرج منه للخبر “.
أما الطب الحديث فيعالج المرض بعد حدوثه غير لأسباب ناظراً المرض وبفضل وجود علاجات سريعة الفعالية مسكنات للمرض وليست حلاً جذرياً نسي المريض سبب مرضه و إهتم بعلاج المرض دون الوقاية من المرض وتناسى أن الوقاية خير من العلاج. فنرى مثلاً مريض السكري يأخذ دواء السكري و لا يمتنع عن الأطعمة التي ترفع السكر في الدم، و ذلك لأنه مطمئن بأن الدواء الذي يأخذه قادر على مساعدته في تخفيض مستوى السكر في الدم، ولكن سرعان ما تتدهور حالة المريض و يحتاج إلى أدوية أقوى أو حقن أنسولين و حتى هذه أحياناً تكون غير كافية.
ولذا بكوني ممارس لمهنة الصيدلة والتغذية فأنا أعي تماماً أن معظم الأمراض التي أراها في صيدليتي وأصرف لها العلاجات بناء على وصفات الأطباء أرى أن السبب في المرض في الأغلب يعود على أساليب الحياة وأساليب التغذية الخاطئة التي عاشها أو مازال يعيشها المريض حتى هذه اللحظة.
ومثال على ذلك مرض السكري لدى الكبار أو أمراض العظام، أمراض القلب، أمراض الشرايين، الدهون في الدم، ارتفاع ضغط الدم والعديد العديد من الأمراض. وهي أمراض فعلاً في الأغلب ناتجة عن السمنة و زيادة الوزن في معظم الأحيان. فإذا كان المريض يعاني من السمنة مثلاً و لم تنحل مشكلة السمنة و إزدياد الوزن لديه، فالعلاج يكون في الأغلب عبارة عن مسكن مؤقت للمرض و ليس حلاً له طالما سبب المرض موجود وهو السمنة، إذاً عالج سبب المرض قبل أن تعالج المرض أو ابتعد عن أسباب حدوث المرض قبل أن يحدث السبب. فمثلاً إذا كان أحد والديك يعاني من أحد الأمراض الناتجة عن السمنة احرص على أن لا تكون و راقب وزنك سميناً أبداً ونوعية أغذيتك باستمرار.
الدكتور إسماعيل الكيالي