الخوف أو التردد من زيارة الطبيب النفسي ظاهرة منتشرة في المجتمعات خاصة في دول العالم الثالث. علما أن الصحة النفسية مثلها كمثل الصحة الجسدية، ان لم تكن أهميتها اكبر لأن الأمراض النفسية والاضطرابات النفسية تؤديان إلى اضطرابات سلوكية لدى الأشخاص تؤثر على علاقاتهم الاجتماعية مع أفراد الأسرة ومع زملاء العمل والمجتمع وتؤدي إلى اضطراب القدرات الذهنية، كالتركيز والدافعية واضطراب في طريقة التفكير وتنشيط القدرة على الإبداع الفكري والتحصيل العلمي والثقافي والمقدرة على الاتصال بالعالم الخارجي وتؤدي الى تدني الكفاءة العملية في الوظيفة العامة أو العمل الخاص الفردي او التوقف عن العمل وبالتالي تدني الانتاج الاقتصادي سواء كان زراعيا أو صناعيا أو تجاریا او طبيا وغيرها.
وترد في الإدارة الوظيفية واضطراب العمل في المؤسسة او الدائرة وسوء العلاقة بين الموظف والمراجع، وتؤدي الى التفكك الادري والانحراف باللجوء إلى الكحول والمخدرات واهمال الاطفال والنزاعات الزوجية والإحباط لدى أفراد الأسرة والتي تزداد ايضا بتدني الدخل المادي وقد تؤدي الى الانحرافات السلوكية عند الاطفال وبالتالي تدمير الأسرة وظهور الآفات الاجتماعية وبالتالي زعزعة استقرار وامن المجتمع وزيادة في ظهور الجريمة.
والتأخر في العلاج النفسي يؤدي إلى ظهور أمراض جسدية متنوعة مثل التأثير على جهاز المناعة في الجسم والإصابة اكثر بانواع معينة من الأورام وتفاقم الأمراض العضوية المختلفة وعدم استقرارها مثل امراض القلب وارتفاع ضغط الدم الشرياني وامراض الرئة أو ارتفاع السكر والروماتزم والفشل الكلوي والجلطات الدماغية والتلف الدماغي والنتيجة ايضا تكون العبء الاقتصادي سواء بتدني الكفاءة العملية والإنتاجية او زيادة الكلفة العلاجية لهذه الأمراض.
ان من اهم الاسباب التي تؤدي الى التردد في استشارة الطبيب النفسي تدني الوعي والمعرفة بالأمراض النفسية وأثارها خاصة أن الأمراض النفسية العصابية تبدأ بسلوكيات بسيطة تدريجية ومتنوعة مثل الإهمال او التأجيل والعصبية او اضطراب في العلاقات الأسرية او علاقات العمل او قلة الدافعية وقلة الإحساس بالتمتع بمجالات الحياة المتنوعة وتدني النشاط او ظهور أعراض جسمية مثل الأوجاع المختلفة وخفقان القلب وضيق التنفس واضطراب الجهاز الهضمي واضطراب الجنس والإحساس بالإرهاق. مما يدفع المرء الى الاطباء العامين او الاختصاصيين في المجالات الاخرى وعدم تحسن الحالة ودخولها في مرحلة المرض المزمن.
ومن الاسباب المهمة ايضا المعتقدات الاجتماعية السائدة مثل السحر والجن والطعم والحجب حيث يعزي الاهل او المريض ظهور الأمراض النفسية الى مثل هذه المعتقدات ويلجأون بالتالي الى المشعوذين الدجالين والتأخر في العلاج فتصبح الحالة مزمنة وتحتاج إلى فترة أطول من العلاج.
والعامل الاخر هو الخجل من المجتمع او الأسرة او الأقارب واللجوء الى المشعوذين او الى العلاج الذاتي الخاطی مثل تناول الكحول او الأدوية المهدئة او المخدرات أو اللجوء الى الاطباء غير المختصين والذين يفتقدون القدرة على التشخيص والمعالجة بالشكل الطبي ” السليم الذي يؤدي الى الشفاء التام.
وهناك ايضا الخوف من الأدوية، ومن المعروف أن جميع الأدوية النفسية لا تؤدي الى الادمان او التعود اذا وصفت من قبل اختصاصي الطب النفسي ذي الخبرة العلمية والعملية وان إعطاء بعض أنواع المهدئات من الاختصاصات الاخرى او القطاع الطبي العام هو الأساس في المساهمة في حصول حالات الادمان خاصة أن الذين لديهم الميول للادمان هم الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية حيث لا يستطيعون التحكم بانفعالاتهم وتحمل ضغوطات الحياة اليومية وبالتالي يلجأون الى غير المختصين الذين يسارعون الى صرف هذه المهدئات لتدني خبرتهم ومعرفتهم باضطراب الشخصية وأنواعها، فالمدمن لديه القدرة العبقرية في الإدمان حتى على «ولاعة الغاز» و«الاغو» او «التنر» أو«البنزين» فكم اسيء إلى أدوية هي من الصنف الأول والمجدي في معالجة العديد من الاضطرابات النفسية والعصبية.
د. محمد عبد الكريم الشویکي
مستشار واختصاصي الطب النفسي والأمراض العصبية
مصدر الصورة
pixabay.com