إن توهم المرض من المشاكل النفسية الشائعة ويندرج في إطارها نوعين مهمين وهما المراق (Hypochondriasis) والتجسيد (Somatization disorder)
المراق: يعرف المراق على أنه الخوف و الاهتمام الدائم من وجود مرض عضوي، وهذا يعتمد على تفسير بعض الأعراض الجسدية وأن هذه الأعراض والأفكار لا تنتهي رغم التشخيص الطبي والتطمين المستمر، حتى أنه يلاحظ مع كثرة الفحوصات والإجراءات الطبية غير ضرورية ، يقع هؤلاء المرضى في مشكلة تفسير هذه التحاليل وقياس الضغط بشكل متكرر وتكرار فحوصات معينة، وكثيراً ما يكون مبعث هذا الخوف بعض الوظائف الطبيعية للجسم مثل ضربات القلب و التعرق وحركة الأمعاء ، وأحياناً أعراض بسيطة مثل البثرات والجروح أو السعال والصداع الذي لا يكترث له أحد، وأحياناً يعطوا أعراض وأوصاف يصعب فهمها مثل تعب قلب أو شد شرايين أو حرقة في العظام وغيرها، ومع استمرار رحلة المرض فإن هناك مضاعفات يصبحوا ضحيتها مثل مضاعفات الإجراءات الطبية غير الضرورية مثل التمييل أو التنظير، أو أن هناك بعض الحالات المرضية الحقيقية لا تكتشف لكثرة الشكاوي والأعراض والأوهام، ومن الممكن أن يؤثر هذا المرض على العلاقات الأسرية والاجتماعية وعلى الأداء في العمل وقد يؤدي إلى التعطل عن الدراسة أو العمل بشكل كامل، ولا بد من تفريق هذا المرض عن الاكتئاب وتكدر المزاج والقلق العام والفزع والوسواس القهري والأمراض الذهانية و التجسيدية وإدعاء المرض.
إن المراق يبدأ في أي عمر مع أنه في الأغلب يبدأ في العشرينات ويأخذ مساراً مزمناً فيه فترات من الهدوء والشدة، ومما يجعل تقدم المرض أحسن أن يكون قد حدث بشكل مفاجئ وأن لا يكون يرافقه مكتسبات من هذا المرض، ويعالج هذا المرض بصعوبة لأن معظم المرضى يرفضون الذهاب للطبيب النفسي لإعتقادهم بوجود مرض جسدي و لإعتقادهم بأن الطبيب النفسي لن يكون قادراً على مساعدتهم، وعندما يصلوا لا بد أن تتوقف رحلة التسوق بين الأطباء والفحوصات ثم يتم تشخيص الحالة، وفيما إذا كانت مقرونة بمشاكل نفسية أخرى، والعلاج يكون غالباً بالأدوية المضادة للإكتئاب والقلق، بالإضافة إلى المعالجة السلوكية والنفسية، والنتائج تعتمد بشكل كبير على مدى إلتزم هؤلاء المرضى بالعلاج.
إضطراب التجسيد: (Somatization disorder) إن هذا الإضطراب يتميز بأعراض جسدية مختلفة تبدأ قبل سن الثلاثين، وتستمر لسنوات ولا يمكن تفسير هذه الأعراض بناء على الفحوصات الطبية و المخبرية و الشعاعيه، وقد عرف هذا المرض أيضاً بإسم (متلازمة بريكت)، يتجول هؤلاء المرضى باحثين عن حل بين العشابين والمشعوذين إلى الأطباء في مختلف الإختصاصات والمستشفيات و الطوارئ.
ومن مميزات هذا المرض:
• وجود آلام في أربع مناطق على الأقل أو وظائف من وظائف الجسم.
• وجود أعراض في الجهاز الهضمي وآلام.
• وجود أعراض جنسية وفي الجهاز التناسلي.
• وجود بعض الأعراض الشبيهة بالأعراض العصبية. وهذه الأعراض ليست كذباً أو إدعاءاً بل إنها أعراض يشعر بها المريض، وقد تكون شكوى المريض من أن هناك ألماً بكافة أنحاء جسمه، في الرأس والبطن والمفاصل والأطراف والصدر وأثناء الدورة الشهرية.
• غثيان وإنتفاخ وغازات وقيء وإسهال.
• عدم تحمل الكثير من أنواع الطعام.
• إضطراب في الدورة الشهرية.
• ضعف في بعض الأطراف.
• عدم القدرة على الكلام أو إحتباس البول دون وجود دليل عضوي على ذلك.
يستمر هذا المرض لفترة طويلة ويتأرجح بشدة من وقت إلى آخر، ومن المتوقع أن يصاب هؤلاء المرضى بالقلق والإكتئاب النفسي لأنهم لم يستطيعوا حل الأعراض السابقة، وقد يتورط هؤلاء المرضى في الإدمان على بعض المهدئات والمسكنات للتخلص من المرض ويقعوا في مشكلة جديدة.
إن كثير من هؤلاء المرضى يقاومون أية إستفسارات عن وضعهم النفسي و الإجتماعي والأسري وهذا تحدي لا بد أن تتم مواجهته، و يجدر الإهتمام بأخذ السيرة المرضية كاملة والتقييم الجسدي الكامل قبل أن يتم التشخيص ثم وضع خطة العلاج، ولا بد من تفريق هذا المرض عن أي أمراض عضوية أخرى أو مشاكل نفسية أو إدعاء المرض، يرفض هؤلاء المرضى أيضاً التحويل للطبيب النفسي وقد لا يصلوا إلا وقد تفاقمت الأمور و إنتقلوا إلى حالات شديدة مزمنة يرافقها القلق و إكتئاب وإساءة إستعمال الأدوية، وفي العلاج لا بد من الأخذ بعين الإعتبار إعادة تنظيم نمط حياة هؤلاء الأفراد، وحثهم على الرياضة والأكل الصحيح و الإعتناء بالصحة أكثر من الإعتناء بالمرض.
إن أسباب هذا المرض مثل المراق أيضاً غير معروفة ولكن تلعب فيها العوامل البيولوجية والنفسية والسلوكية والإجتماعية والحضارية دورأ، أما إنتشاره فيصل إلى 2% من الناس وهو أكثر في النساء من الرجال، وفي عيادات الطب العام يمثل هؤلاء المرضى 5-10% من المراجعين يضاف إليهم أيضاً 5% من مرضى المراق.
الدكتور وليد سرحان
مستشار الطب النفسي