يذكر ربنا جل وعلا في كتابه الكريم قول سيدنا يعقوب (عليه السلام) حينما جاءته البشرى بلقاء يوسف (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ) “يوسف:94” , فهل لكل إنسان رائحة تميزه عن غيره .
نعم لقد أثبتت الأبحاث أن لكل إنسان رائحة مميزة ومتفردة مثل بصمة الأصابع .. وليس ذلك للإنسان فقط ولكن الثدييات الأخرى تتميز بنفس الخاصية .. خاصية الرائحة المميزة والتي لها علاقة في الأساس بالجينات الوراثية .. وقد استخلص الباحثون من ذلك أن الرائحة يمكن استخدامها كدليل على هوية الفرد تماماً مثل بصمة الأصبع .. واستحدث مصطلحاً جديداً وهو بصمة الرائحة (Odor Print) .
نعلم أن الأنبياء قد رزقهم الله بقدرات وبصيرة نورانية خاصة لكمال إيمانهم وتمام التزامهم بأوامره ونواهيه .. ولكن ها هو العلم الحديث يبين لنا حقيقة ما قاله أبو يوسف في هذه الآية .. أن لكل إنسان رائحة ناتجة عن افراز العرق (فالغدة العرقية تشبه وحدة المرشح الكلوي) بما يحتويه من مواد كيميائية (نواتج عمليات التمثيل الغذائي , نواتج التحولات الهرمونية الذائبة في الماء وغيرها من نواتج الجسم) والتي تختلف من إنسان إلى آخر تبعاً لغذائه ونشاطه وإفراز الهرمونات المنظمة لنشاطه وغيرها من التحولات الكيميائية التي تحدث بأجسامنا فضلاً عن مجموعة من الزيوت الطيارة (Volatile oils) والتي تحمل بصمة الرائحة الخاصة بالفرد .. وقد استفادت وحدات البحث عن الجناة من هذه الخاصية بتدريب الكلاب التي لديها حاسة الشم فائقة .. والذاكرة المخية الدقيقة لهذه الروائح .. بتدريبها في القبض على الجناة المتهمين في القضايا المختلفة والتي تركوا فيها بعض الآثار الخاصة بهم (منديل , قميص …) للعثور عليهم رغم بعدهم عن مكان الجريمة .. بل وتستمر الأبحاث للتعرف على الفروق التي تحدث في رائحة الفرد نتيجة التعرض للأمراض المختلفة وكيفية استخدام ذلك في تشخيص هذه الأمراض بتطوير أجهزة حساسة خاصة (Odor Sensors) تستطيع أن تشخص المرض باكتشاف التغيير في رائحة المريض .. وهناك في عالم الحشرات كثيراً منها تقوم بإفراز بعض المواد الكيميائية (الفرمونات) لجذب الإناث أو فرائسهم إليهم .. وهكذا قد أوضح القرآن هذه الحقيقة العلمية منذ أكثر من 1400 عام .
وهذه الآية : (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) “يوسف:84” , وهي عينا سيدنا يعقوب حزناً على ضياع ولده الحبيب .. والتي توضح أثر الحزن في الإصابة بالأمراض , ورغم خصوصية الآيات فإن فيها دلالات علمية هامة , فجميعُنا قد يحزن لسبب يحدث لنا (فقدان عزيز أو مرض شديد …) ولكنا لا نقول إلا ما يرضي الرب .. وقد أثبت العلم الحديث أنه مع الحزن فإن الجهاز المناعي للجسم يصاب بضعف عام (خاصةً لو استسلم الإنسان للحزن) ومن أسباب ذلك زيادة افراز هرمون الكورتيزون وزيادة النشاط العصبي السيمبثاوي مما يؤدي إلى ضعف التفاعلات المناعية .. وحدوث الأمراض الالتهابية وغيرها , وقد ذكر أحد الباحثين (دكتور / عبد الباسط السيد) في تفسيره لهذه الحالة بأنها حالة من المياة البيضاء بعدسة العين (cataract) ولكنه معلوم طبياً أن المياه البيضاء لا تسبب بياضاً واضحاً بالعين .. بل يتم الكشف عنها من خلال الانعكاس الضوئي المار بالقزحية على العدسة – لذا فالأقرب والذي يتماشى مع دلالة هذه الأيات (بياض العين) .. أن ما أصاب سيدنا يعقوب هو عتامة بالجزء الشفاف من العين (القرنية) – (Corneal opacity ) والتي أدت إلى بياض بالعين بمجرد رؤيتها .. وكانت المعجزة هو ذهاب هذه العتامة بعد إلقاء قميص يوسف على وجه أبيه (عليهما السلام) فعاد إليه بصره .
وأنني أوجه الدعوة لإنشاء مركز للبحث العلمي والاعجازي في هذا الكتاب المعجز – القرآن الكريم – واقترح الحاقه بالمركز القومي للبحوث (أمل مصر) لمتابعة هذه الأبحاث الاعجازية (طبية أو فيزيائية أو جيولوجية …….) من خلال أقسام المركز المختلفة وتخصصاته العديدة لاستخراج ما في كتاب الله وسنة رسوله من لآلئ وخيرات تعود على الجميع بالخير والبركة .
الدكتور فيصل سرور المنشاوي
باحث الطب النبوي
[email protected]