تأسس نظام التحصين العالمي في الثمانينات من القرن الماضي، وقد تبنته معظم دول العالم لاعطاء اللقاحات ضد امراض السل الدفتيريا والكزاز والسعال الديكي وشلل الأطفال والحصبة. وفي التسعينات تمت اضافة لقاح التهاب الكبد الوبائي، والمعروف ان هذا المرض هو من أشد الأمراض خطورة في العالم..
لقد اسهم برنامج تطعيم الاطفال في انقاذ حوالي ثلاثة ملايين طفل كل سنة، لكن هذا الانجاز لا يمثل سوى اقل من ثلث ما يمكن أن تساهم به عمليات التقليح لتحسين صحة الأطفال. ففي كل عام يموت حوالي مليوني طفل لانهم ينتمون إلى نسبة 20% من اطفال العالم الذين لم يلقحوا بعد، ويموت ما بين خمسة الى ستة ملايين شخص سنويا بسبب امراض يكون الوقاية منها عبر تطوير وشمول انواع جديدة من اللقاحات ضد بعض الأمراض مثل الملاريا التي تقضي حاليا على ما يزيد عن مليون طفل افريقي كلعام، والتهابات الجهاز التنفسی التي تقضي على ثلاثة ملايين طفل سنويا والتهاب السحايا الذي بسبب وفاة 200 ألف شخص في العام الواحد، وانواع معينة من امراض الاسهال الناتج عن روتافيروس الذي يقضي على ارواح 800 ألف شخص في السنة والتهاب الكبد (أ) والانفلونزا (ب) والتهاب الدماغ والابدز.
ان التهاب الكبد الوبائي (ب) يزهق من الأرواح كل يوم اكثر مما يزهقه الايدز كل سنة، كما أنه مسوول عن 80% من حالات سرطان الكبد وعن عدد من حالات تليف الكبد يفوق ما تسببه المشروبات الكحولية وتصل هذه الحالات الى 60 مليون حالة في العالم.
ومن المعروف أن شخصا من بين كل ستة اشخاص في العالم يصاب بعدوى هذا المرض وهناك 300 مليون شخص يحملون فيروس هذا المرض بشكل دائم. وقد يتخلص الجسم من الاصابة الحادة لكن الفيروس لا سبيل إلى شفائه، ان لا يوجد له علاج ناجع فهو ينتقل عبر مجموعة من السوائل في الجسم وخاصة عن طريق الاتصال الجنسي والاتصال بالدم الملوث عن طريق نقل الدم او استعمال الحقن الخاطىء من شخص لآخر عند المدمنين على العقاقير، كما ينتقل من الام الى الجنين عبر المشيمة، وعن طريق الجروح الجلدية وهي الوسيلة الرئيسية لانتقال المرض بين الأطفال والعاملين في الحقل الصحي.
وتنشا عند ثلث المصابين بالتهاب الكبد الوبائي اعراض مزمنة. وبعد اجتياز المرحلة الحادة للمرض يتحول ما بين 6% و 10 % من ضحايا المرض إلى ناقلين له وليس بالضرورة ان تظهر الاعراض على هؤلاء رغم تعرضهم لتلف الكبد القاتل في المستقبل لكنهم ينضمون الى الناقلين الدائمين للمرض الذين يقدر عددهم بنحو 300 مليون شخص ممن ينشرون الفيروس ويساعدون على انتقاله من جيل الى آخر.
لقد توافر لقاح التهاب الكبد الوبائي ب منذ بضع سنين، وفي البداية كان مستمدا من دم ناقلي الفيروس فكان انتاجه قليلا وتكاليفة باهظة بعض الشيء.
ثم نجحت هندسة الجينات في انتاج مقادير اكبر من المطعوم بتكاليف اقل للدورة كاملة (3 جرعات) ان عملية التطعيم ضد التهاب الكبد هامة، بشكل خاص للأطفال، ذلك انه من المرجح ان تظهر على المصابين منهم اعراض التهاب الكبد الوبائي، ويحتمل أن يصابوا بسرطان الكبد، كما ان احتمالات تحولهم الى ناقلين لفيروس المرض تبلغ اربعة اضعاف الاحتمالات لدى الكبار.
إن ربع المصابين من الأطفال قبل سن السابعة يصبحون ناقلين. ويقدر ان نحو 70% إلى 90% من المرضى المصابين بالمرض قد اصيبوا به عن طريق الحبل السري (المشيمة) أثناء الحمل.
ان انتقال العدوى من طفل الى طفل والتي قد تحدث أثناء لعبهم مع بعضهم او نومهم في سرير واحد او عن طريق الجروح الجلدية والجرب والحكة الجلدية ولسعات البعوض هي السبب الرئيس لالتهاب الكبد الوبائي بين الأطفال.
ونظرا لهبوط تكاليف اللقاح وأهمية التطعيم المبكر أوصت منظمة الصحة العالمية بان يضاف القاح التهاب الكبد الوبائي إلى برامج التطعيم الوطنية ليصبح المطعوم السابع، وقد تبنت ذلك معظم دول العالم.
ان هذا اللقاح من اكثر اللقاحات امانا وفاعلية، ونظرا لأن التهاب الكبد الوبائي هو سبب رئيس للإصابة بسرطان الكبد فإن هذا المطعوم الجديد يعتبر حقا اول المطاعيم التي طورتها هندسة الجينات ضد السرطان.
د. احمد عبد الحليم الغول
اختصاصي الجراحة العامة