يمثل العلاج بالأعشاب الطبية Medical Herbs في العصر الحديث أحد الوسائل المهمة في نظام الرعاية الصحية في مختلف بلدان العالم الثالث وحتى الدول المتقدمة وذلك لارتفاع تكاليف العلاج الطبي إضافة إلى فعالية دساتير الأدوية والعقاقير النباتية.
وقد اختار الإنسان منذ القدم الأعشاب النباتية في العلاج الطبي حيث لم يعتمد الاختيار على معرفة مسبقة بفعالية، النبات او تركيبه ولكن الاختيار كان معتمدا على توفر النبات في الفصول السنوية المختلفة او استنادا الى معتقدات خرافية او معتقدات دينية وعبادة الطبيعة او أسباب اضطرارية قاهرة.
ان طب الأعشاب كان نتيجة لتجارب الإنسان الجريئة والملاحظات النافعة خلال مئات السنين وفي معظم الأحيان كان الاختيار يعتمد على عملية الخطا والصواب حيث أصبحت هذه العملية مع مرور الوقت تكتسب خطورة كبيرة وقد تكلف في بعض الأحيان فقدان الارواح البشرية.
ولا بد من الاشارة الى ان هذه الممارسات لا تزال موجودة في معظم مناطق افريقيا وأميركا الجنوبية وبلدان العالم الثالث حيث يعيش معظم السكان في مناطق نائية وتشيع تقاليد الطب الشعبي باعتبارها الوسيلة الوحيدة المتوفرة في العلاج الطبي .
تلقي في السطور التالية الاضواء على مدى انتشار طب الاعشاب في بلدان العالم لأهمية موضوع تقاطع الثقافات ونقل الخبرات العلمية والمعرفية والحضارية بين الشعوب في مجال كشف النباتات الطبية ذات الاستعمالات المتشابهة وفي تطوير الادوية الحديثة.
لقد اشارت الأبحاث العلمية الى اعتقاد الأفارقة بأن عناصر البيئة الطبيعية ترتبط، مع عالم الإنسان الداخلي لذا فان النباتات هي ذات قدرة خارقة على علاج الانسان وان قدرات الشفاء للاعشاب الطبية هي في الجزيئات العضوية المكونة للاعشاب والقوى السحرية والروحية المغروسة في الأشياء الحية. وقد استعملت الاعشاب الطبية في اثيوبيا باشكال عديدة منها:
– تحضيرات دوائية تؤخذ عن طريق الفم.
– التدخين Fumigation بالنباتات والاعشاب.
– وضع الاجزاء النباتية الطرية والجافة مع الحلي والقلائد والأحزمة من قبل النساء.
وتستعمل السيدات في جنوب افريقيا شرابا مصنوعا من خليط من الاعشاب خلال مراحل الحمل المختلفة بهدف ادامة الحمل وحفظ تطور الجنين في بطون أمهاتهم وتسهيل مخاض الولادة ويعد هذا الشراب من قبل العجائز او العشابين حيث يحفظ في جرة مغطاة ولا يسمح لاي شخص أن ينظر في داخل الجرة لاعتقادهم بان ذلك يسبب ولادة أطفال لديهم تخلف عقلي.
وقد اشارت الأبحاث العلمية ايضا الى وجود حوالي 22 من البساتين المقدسية في سيراليون تتجمع فيها السيدات لتبادل المعلومات حول الأعشاب المستعملة في بحث الإجهاض واستخراج الأجنة الميتة . والبساتين المقدسة هذه هي أماكن لممارسية الاحتفالات والطقوس الروحية وتعليم المراهقين وتدريب العشابين اضافة الى أنها مصدر للأعشاب الطبية ومكان ملائم لعلاج المرضى وتمثل البساتين المقدسة مكانا لحماية النباتات والأعشاب الطبية من الاستثمار الجائر لانها مناطق يمنع دخول الغرباء اليها.
ويشار الى ان تجارب الهند والصين هي من اثری التجارب العالمية في استعمال الأعشاب في مختلف شؤون الطب البشري وخاصة تحديد النسل وقد اتجه الباحثون في الصين خلال الربع الأخير من القرن العشرين الى طب الأعشاب من أجل تنظيم الخصوبة للحد من الانفجار السكاني الهائل فيها وتتحدد ملامح التجربة الصينية في مجال تحديد النسل بالرجوع الى طب الاعشاب والوصفات العشبية القيمة في كتاب الاقرباذين Chinese Materia Medica والتراث الفلكلوري الصيني.
ويشار ايضا الى ان مراكز الأبحاث العلمية في ماليزيا تهتم بالأعشاب الطبية المنشطة للجهاز التناسلی الذكري في الانسان، وذلك لمعالجة الرجال الذين يعانون من مشاكل متعلقة بالحيوية الجنسية واصابة الرجال بالعنة الجنسية وهذا دليل آخر على أهمية استعمال الأعشاب في حياة الإنسان اليومية بما يتناسب مع عمق المشاكل الصحية التي تواجه الجنس البشري في انحاء العالم.
وقد أشارت الابحاث العلمية ايضا الى استعمال الهنود في البرازيل أعشابا محددة لإنجاب الذكور الأبناء او الإناث البنات اضافة الى استعمال الأعشاب بشكل شراب او حمام أو النوم على أوراق النباتات او لف الجسم او مسح الجسم والمساج باستعمال مختلف التحضيرات النباتية، وهناك أدوية عشبية تستعمل من خلال الجلد وهي بشكل أصباغ مصنوعة من رماد النباتات أو الفحم ونقيع الثمار الخضراء، وهناك معتقدات مماثلة عند سكان المكسيك حيث تستعمل السيدات نبات Clicemia Setosa عند الرغبة في إنجاب البنات ونبات Pleurathallis Cordiothallis عند الرغبة في إنجاب الأبناء ويأتي ذلك لاعتقاد السكان بأنه اذا كان النبات قادرا على تكوين الأوراق والأغصان بشكل الاعضاء الجنسية لدى البشر فان النبات قادر على عمل ذلك عند تناوله من قبل السيدات اثناء الحمل، واذا رغب الإنسان في إنجاب مولود من جنس معين فعليه تحضير شراب من النبات المناسب واعطاؤه الى زوجته.
إن عمق تجارب الشعوب في مجال استعمال الأعشاب في الطب البشري هي سمة واضحة في حياة الإنسان على كوكب الأرض، وان عمق اهتمام العلماء المسلمين في العصور الوسطى بالأدوية النباتية يمثل مساهمة مشرقة للحضارة العربية والإسلامية في تاريخ العلوم التطبيقية، ان الاهتمام بطب الأعشاب وفق الأسس العلمية الحديثة في المنطقة العربية يجب ان يأخذ مكانة ملموسة في تقاليد البحث العلمي المعاصر الوجود حاجة ماسة لتطوير الأدوية الحديثة لمعالجة الأمراض المستعصية التي لا زالت تثير قلق الإنسان ومتاعبه.
أ.د. محمد حسن الحمود