لا يعرف بالتحديد متى عرف الإنسان الثوم. الا ان ذكره ورد في القرآن الكريم عندما سأل نبي الله موسی علیه السلام أن يسأل ربه أن يخرج لهم مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، فقال الله لهم ( أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ )، صدق الله العظيم.
فيدل ذلك على أن الثوم كان معروفا عند قدماء المصريين في ذلك الزمان وما قبله.
وقد استخدم الثوم منذ القدم في الطبخ وكذلك في بعض الوصفات الشعبية لعلاج بعض أعراض الجهاز الهضمي. إلا أن الكلام ازداد كثيرا في السنوات القليلة الماضية عن الفوائد الجمة للثوم في علاج الكثير من الأمراض، وقد بالغ البعض في ذلك كثيرا حتى وصفوه لعلاج الأمراض السرطانية ودافع عنه آخرون على أنه من الدين الإسلامي مع أن الآية السابقة تصفه بالادني، وكذلك نهى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم آكل الثوم والبصل عن دخول المسجد اذا ظهرت له رائحة، وذكر عليه السلام ان الملائكة تنفر من رائحة الثوم.
وتركز الكلام بشكل كبير على أنه علاج فعال لبعض الأمراض المتعلقة بالقلب مثل ارتفاع نسبة الكولسترول بالدم وكذلك ارتفاع ضغط الدم الشرياني. وتلقفت الفكرة بعض شركات الأدوية والأغذية وقامت بتصنيع مادة الثوم على أشكال مختلفة بحجة التغلب على مشكلة الرائحة، وعبيء كمسحوق او زيت في كبسولات يسهل تناولها وحققت هذه الشركات الملايين من الدولارات کأرباح نتيجة للدعاية القوية المصاحبة.
فهل حقا ان للثوم كل هذه الفوائد؟
ظهرت بعض الدراسات العلمية التي تهدف إلى معرفة مدى فعالية الثوم في تخفيض نسبة الكولسترول بالدم، وقد تباينت نتائجها كثيرا فمنها ما كان ايجابيا أظهر انخفاضا ومنها ما كان سلبيا لم يظهر ای انخفاض. وبعض الدراسات الإيجابية جرت على فئران التجارب.
لقد بينت عدد من الدراسات التي اجريت على عدد من الأشخاص حدوث انخفاض في نسبة الكوليسترول لديهم حيث بلغت نسبتهم ما بين 9 – 12 بالمائة ، والمدقق في بعض هذه الدراسات ذات النتائج الايجابية يلاحظ ان العوامل الأخرى المنخفضة لكولسترول الدم لم تؤخذ بعين الاعتبار مثل اتباع هؤلاء الأشخاص لنظام حمية عن المواد والمحتوية على نسبة عالية من الكولسترول، والإكثار من تناول الخضار والفواكه الطازجة، وإنقاص الوزن، وممارسة الرياضة والتي قد تكون ساهمت في تخفيض نسبة الكولسترول في الدم. لأن من المتوقع أن يعمل معظم هؤلاء الأشخاص على تغيير انماط حياتهم من ناحية الطعام والرياضة عند علمهم بأن نسبة الكولسترول في الدم لديهم مرتفعة.
فلذلك يصعب في اغلب الحالات ان نعزي نقص الكولسترول لتناول الثوم فقط.
في دراسة نشرت حديثا في مجلة الرابطة الطبية الأمريكية ، تمت في جامعة بون بالمانيا لمعرفة اثر تناول الثوم على كولسترول الدم المرتفع. أجريت على 25 شخصا لديهم ارتفاع في نسبة كولسترول الدم الكلى وايضا كولسترول البروتين الشحمي قليل الكثافة – الضار وأعطي هؤلاء الأشخاص كبسولات تحتوي كل منها على 5 ملغم من زيت الثوم لتؤخذ بمعدل مرتين يوميا لمدة 12 اسبوعا واخذ في الاعتبار تحييد العوامل الأخرى التي تؤثر على كولسترول الدم، في نهاية المدة تبين أن نسبة الكولسترول في الدم لم تنخفض لدى هؤلاء الأشخاص. كما أظهرت الدراسة أنه لم يكن للثوم ای اثر في تقليل امتصاص الكولسترول من الأمعاء.
في المقابل فان للثوم مضارا غير موضوع الرائحة، فتناول كميات كبيرة منه قد يؤدي إلى حدوث التهابات وتقرحات حادة في القناة الهضمية وبخاصة عند اولئك الذين يعانون من التهابات المريء او المعدة او الامعاء الدقيقة او القولون، كما قد يسبب الغثيان والدوخة.
اما عن ادعاء البعض أن الثوم علاج لمرض ارتفاع ضغط الدم الریانی فهذا أيضا غير صحيح علميا، فقد تبين انه لتخفيض ضغط الدم الشرياني المرتفع بدرجة كافية فانه يلزم تناول كمية كبيرة من الثوم تقدر بما يعادل ملء فنجان من الشاي يوميا، وبالتأكيد فان تناول هذا المقدار يوميا سوف يسبب المضاعفات الشديدة التي ذكرت سابقا.
بعد كل ما تقدم فان جل الأطباء في الدول المتقدمة لا ينصحون باتخاذ الثوم علاجا لحالات ارتفاع دهنيات الدم أو ارتفاع ضغط الدم الشرياني مع التعريف بأن بعض أولئك المرضی يتحولون عن تناول الأدوية الموصوفة لهم من قبل أطباء مختصين إلى تناول الثوم أو غيره من النباتات التي قد يكونوا سمعوا عنها من اصدقائهم أو قرأوا عنها في بعض الصحف التي قد تنشر تلك الأخبار مبتورة كأن تذكر أن بحثا قد اجري على الفئران اظهر أن الثوم انقص نسبة الكولسترول في الدم ولكن لا يتطرق الخبر إلى أن ذلك المركز او الباحث قد حذر أن ذلك قد لا ينطبق على الإنسان ولا يذكر ماهية الظروف التي تم بها ذلك البحث.
وفي بعض الأحيان يقف وراء هذه الأخبار بعض الشركات المصنعة او المروجة لتلك المواد الغذائية المصنعة.
ان الطرق العلمية الصحيحة هي التي يجب أن تتبع في علاج تلك الأمراض، والتي قد يؤدي التراخي او الإهمال في علاجها إلى حدوث مضاعفات خطيرة مثل الجلطات القلبية أو الدماغية أو حتى الوفاة المفاجئة.
فلذلك ينصح الأشخاص الذين يوجد لديهم ارتفاع في نسبة كولسترول الدم او ضغط الدم الشرياني، بالابتعاد عن الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة مثل الدهون الحيوانية وكذلك المحافظة على الوزن المناسب بالإقلال من تناول الكميات الكبيرة من الطعام وبخاصة الحلويات والسكريات والمكسرات وغيرها من الأطعمة التي تحتوي على سعرات حرارية عالية.
والإكثار من الأطعمة التي تحتوي على الألياف من الخضار والفواكه الطازجة وكذلك الإكثار من النخالة كالخبز الأسمر والتي تقلل من امتصاص الدهون من الأمعاء. وكذلك الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من فيتامينات (ج وب)، المانعة للأكسدة التي تمنع أكسدة نوع الكولسترول الضار فيقل ترسبه والتصاقه بالجدران الداخلية للشرايين الدموية وبالتالي يمنع تصلبها وانسدادها.
ولا يخفى على اي متتبع للثقافة الصحية ما لممارسة الرياضات المناسبة من أثر كبير في معالجة السمنة وتخفيض الكولسترول والدهون الثلاثية. الا ان كل ما سبق قد لا يكون كافيا لمعالجة كثير من الحالات فيلزم عندئذ تناول احد الأدوية المخفضة للكولسترول المعترف بفاعليتها في الأوساط العلمية العالمية وهي بلا شك قد مرت عبر عدد كبير من الاختبارات العلمية على الحيوانات ثم على الإنسان لعدة سنوات وأثبتت فعاليتها وتم التعرف على أغلب الجوانب الحسنة او السيئة فيها.
وبخبرة الطبيب المتخصص يستطيع ان يصف ما هو الأنسب منها لكل حالة على حدة بعد أن يكون قد وقف على أسباب ارتفاع هذه الدهون بالدم ومدى ما قد تكون قد أحدثت من أضرار لأعضاء الجسم، فليس هناك دواء يعالج كل المرضى، كما انه ليس هناك دواء ينفع لكل الأمراض.
مما سبق فإنني أرى ان يعود الثوم والبصل الى ما كانا عليه في المطبخ بين بقية الخضار مع ان من بينها ما يفوقها فائدة وفضلا.
د. جواد یحیی عبدالهادي
مستشار الأمراض الباطنية والقلب