تؤكد كثير من الأبحاث الطبية على فوائد القيلولة لصحة جسم الإنسان، فبعد أن كان الكثير من الأطباء يحذرون منها ويعتقدون أنها مرتبطة بمرض عضوي أو علة صحية، تغيرت هذه الصورة النمطية الآن وأصبح الكثير من المهتمين في مجال الرعاية الصحية ينصحون بغفوة قصيرة وقت الظهيرة، حتى أن كثير من أصحاب العمل أصبحوا يتيحون لموظفيهم بقيلولة قصيرة وقت الظهيرة.
وحالة الغفوة تحصل أثناء النهار لعدة أسباب، فقد تكون نتيجة تأثير الساعة البيولوجية على الجسم والتي توجد في مجموعة من الخلايا في الهايبوتلاموس، أو ما تحت السرير البصري في الدماغ. وتقوم هذه الخلايا بالإشراف على مختلف العمليات الفسيولوجية أثناء اليوم (درجة حرارة الجسم، ضغط الدم، إفرازات العصارات الهضمية)، وكذلك على النوم واليقظة.
أيضا فان لنمط الحياة اليومية دور في حدوث الغفوة ، فاليقظة أثناء النهار يتبعها ازدياد النعاس تدريجيا أثناء المساء، وقد لاحظ الباحثون أن نوبة النعاس تحدث لدى كثير من الناس وبشكل متكرر خلال وقت الظهيرة.
وهناك عامل آخر يلعب دوره في حالات النعاس أثناء النهار هو عدد ساعات اليقظة. فبعد 16 ساعة متتالية من اليقظة من دون نوم، يشعر أكثرية الناس بالتعب. ومن الناحية المثالية فإن مثل هذا التوجه نحو النوم يتزامن مع التوجه المبرمج في نمط الإيقاع اليومي، ولذلك فإنهما يدعم بعضهما بعضا.
وقد أجرى الباحثون في عام 2008 دراسة لكيفية التعامل من الغفوة، كزيادة ساعات النوم، أو التمتع بالقيلولة، أو تناول الكافيين، باعتبارها وسائل للتعامل مع نوبة نعاس الظهر، ثم تجاوزها. وظهر أن القيلولة كانت أكثر تلك الوسائل فاعلية.
فوائد القيلولة لجسم الإنسان
في عام 2000 ، أجرى باحثون في جامعة هارفارد وغيرها من الجامعات عشرات التجارب التي أظهرت أن النوم يحسن التعلم، الذاكرة، والتفكير المبدع. وفي كثير من الحالات فإن هذا النوم يأتي في شكل إغفاءة النهار أي القيلولة.
فعلى سبيل المثال فإن عددا من الدراسات أظهر أن الأشخاص الذين طلب منهم تذكر شيء ما – مثل قائمة من الكلمات – ثم تمتعوا بالقيلولة، كانوا يتذكرون أكثر مما كانوا سيتذكرون لو أنهم لم يتمتعوا بالقيلولة. بل وحتى الإغفاءة السريعة لمدة 6 دقائق (من دون حساب الدقائق الـ5 الأولى قبل الوقوع في الإغفاءة) ، وقد ظهرت فروق واضحة في كيفية احتفاظ الناس بمعلوماتهم.
يقول روبرت سيكغولد، الباحث في النوم في جامعة هارفارد، إن القيلولة تجعل الناس أكثر كفاءة في حل المسائل. وأظهر فريق البحث الذي يقوده أن إغفاءة القيلولة يبدو أنها تساعد الناس على فصل المعلومات المهمة عن التفاصيل الإضافية. وإن شملت الإغفاءة مرحلة REM (طور حركة العين السريعة للنوم rapid eye movement sleep) – التي تحدث فيها الأحلام – فإن الناس سيصبحون أفضل مقدرة على الربط بين كلمات لا تمت بصلة إلى بعضها.
ويقول سيكغولد إن أبحاثه إضافة إلى الأبحاث الأخرى تلح على أرباب العمل بضرورة تمكين العاملين من التمتع بإغفاءة النهار، خصوصا في قطاعات الاقتصاد التي أصبحت تعتمد على الأسس المعلوماتية. وقد خصصت بعض الشركات فعلا غرفا للقيلولة، فيما خصصت شركة غوغل أماكن للقيلولة لموظفيها لا يصلها الضوء والصوت.
كما أن هناك إمكانات لبرامج القيلولة الإستراتيجية خصوصا للعاملين في نوبات العمل الليلية. وأظهرت نتائج دراسة نيوزيلندية نشرت عام 2009 أن مراقبي حركة النقل الجوي العاملين في النوبات الليلية كانوا أفضل في اختبارات الانتباه وحسن الأداء بعدما تمتعوا بإغفاءة تم التخطيط لها استمرت 40 دقيقة. ويعمل باحثون في قسم طب النوم بجامعة هارفارد معا مع هيئة مكافحة الحرائق لتحسين السياسات الخاصة بالنوم. وتتمثل إحدى توصياتهم بأن يتمتع رجال مكافحة الحرائق العاملون في نوبات ليلية، بإغفاءة في فترة متأخرة بعد الظهر قبل البدء في نوبة عملهم.
الإغفاءة مؤشر على اعتلال الصحة
إن النعاس أثناء النهار، والإغفاءة التي تخفف منه، قد يكونان من علامات اعتلال الصحة. فالنعاس أثناء النهار، مثلا، هو أحد أعراض مرض باركنسون (الشلل الرعاش). وفي الدراسات التي أجريت على الرجال الكبار في السن، ترابطت إغفاءة النهار المنتظمة مع حالات السكري، الكآبة، والآلام المزمنة، بافتراض أن هذه العلل تؤدي إلى التأثير على النوم الليلي.
وبالفعل، فإن من المعقول أن تكون إغفاءة النهار وسيلة للتعويض عن الحرمان من النوم ليلا، بغض النظر عن العمر أو الأسباب المؤدية إليه. ولذلك فإن مشاكل النوم، النعاس أثناء النهار، الإجهاد، والحاجة الملحة للقيلولة، كلها مسائل تقتضي التشاور بشأنها مع الطبيب.
وفيما قد يكون النوم الليلي السيئ سببا لنوم القيلولة، فإنه من غير الواضح في ما إذا كان العكس صحيحا: أي هل أن القيلولة تقود إلى نوم ليلي سيئ؟ لقد كان هذا معتقدا سائدا في الماضي، إلا أن دراستين لم تعثرا على ارتباط بين القيلولة والشكوى من النوم. وفي الحقيقة فإن عددا من الدراسات أظهر أن القيلولة، والقدرة على الإغفاء نهارا، أكثر شيوعا لدى البالغين الأكبر سنا الذين ينامون جيدا، أكثر من نظرائهم الذين يعانون من مشاكل في النوم. كما قدمت افتراضات بأن القيلولة قد تكون عملية تكيف مناسبة للأشخاص الأكبر سنا الذين ينامون، كقاعدة، ساعة أقل في الليل ويستيقظون مبكرا، مقارنة بالشباب الأصغر سنا.
نصائح وإرشادات لقيلولة قصيرة في النهار
يبلغ طول القيلولة في المعدل ما بين 20 إلى 30 دقيقة، وقد تكون مدة الغفوة عدة دقائق وتكون مفيدة للجسم، وينصح بتخصيص مكان هادئ ومظلم للقيلولة، أما تأثير المنبهات وخصوصا الكافيين على حدوث القيلولة، فان تأثير الكافيين يحتاج إلى وقت لكي يحدث تأثيره في الجسم، وبالتالي فان تناول السوائل الغنية بالكافيين ثم الخلود إلى إغفاءة بعد ذلك فورا، هو أفضل توليفة لاكتساب الراحة، لأن النوم يبدأ قبل أن يبدأ مفعول الكافيين.
من هنا فان غفوة قصيرة في النهار تكسب الإنسان تشاطا جسديا خلال فترة المساء وتزيد من نشاط الدماغ والقدرة على التفكير وتبعد قليلا المزاج السيئ الذي يعتري البعض بعد يوم حافل بالعمل والمتاعب.