الباحث: آركاد ذو آلماسيان / بابل ، العراق
“إن لم يتضمن المستقبل سفرنا بين النجوم، وإن لم نصبح نوعاً يسكن عدة كواكب، فسيكون محبطاً للغاية”
إيلون ماسك : مدير ومالك الشركة الفضائية التكنولوجية (سبيس إكس ).
يمكن لكل باحث أن يجزم أن “علم الكم” هو جائزة المستقبل بالنسبة للإنسانية. فمن: خلاله سوف نصل لأعلى مراحل التطور التكنولوجي الإنساني، ونصل للمعرفة الكونية الشاملة، وفهم الكون على أتم وجه، وحل الكثير من الألغاز و العقد الغامضة التي تحير العقل البشري. وأن أحد أهم هذه الألغاز، والعقد هي: عدم فهم منطقي لمعضلة القفزة الكمية للإلكترون في الذرة.
من خلال هذا المقال: سنأخذكم في رحلة افتراضية نحو المستقبل، لنعيش تجربة ذهنية في الفيزياء الكونية، ومحاولة فهم عالم النسبيات، وعالم ميكانيكا الكم.
فلنفترض أننا الآن في المستقبل
يقوم مختبر علمي باختراع (جهاز) يعمل على إحاطة الجسم الحي، بغلاف من الطاقة تخترق كل خلايا جسده. فتبدأ بتصغيره من كتلة نسبية إلى جسيم كمي، بحجم جسيم من الجسيمات ما دون الذرة أو الإلكترون. ويقوم بإدارة هذه العملية عدد من العلماء المحترفين، وليكن العينة هو: (انت)
أولا: سيتم وضعك في ذلك المختبر في وسط (كرة) يبلغ قطرها سبعة أمتار، ثم يقوم العلماء بإطلاق أشعة التصغير عليك من خلال الجهاز، بعد أن يتم إغلاق الكرة، ويغلق المختبر أيضا.
ومن مميزات هذه الكرة أنها تتكون من رقع لونية سوداء وبيضاء.
ثانياً: يقوم العلماء في المختبر ببدء الخطوة الثانية بعد إطلاق أشعة التصغير عليك وهي: أن تدور الكرة في مكانها لتكون أقل من سرعة الضوء بقليل. فتأخذ: الكرة بالدوران حتى: وصلت إلى سرعة (250) ألف كيلو متر بالثانية. أقل من سرعة الضوء بقليل. و أشعة الجهاز تصغرك رويدا رويدا إلى حجم جسيم ذري.
فياترى: حينما تريد أن تنظر للكرة حولك، وأنت بهذا الحجم مادون الذري، وتدور الكرة بك بسرعة أقل من سرعة الضوء بقليل فماذا سترى؟
كلا، لن تخبرنا. بل: سوف تحاول عقولنا الإجابة منطقيا عما سترى. ويبقى المستقبل كفيل في الحكم على الأجوبة العقلية. والجواب هو: أن هنالك ثلاث فروع احتمالية:
أ- كلما يصغر حجمك سترى كل شيء أسرع منك. بشرط أن أشعة الجهاز لم تسرعك؟
ب- إذا وصلت إلى حجم الجسيمات، فإن الجسيمات سوف تفنيك وتصطدم بك. وذلك: لأن حركتك ثابتة والكرة تدور حولك بسرعة مقاربة لسرعة الضوء.
ج- إذا قام العلماء بتسريعك. بالإضافة إلى أشعة التصغير، و بسرعة ذات مسار تصاعدي، وصولا إلى سرعة (250) ألف كيلو متر بالثانية.،ثم إلى سرعة الضوء، فإنه ستكون في حالة موازية، فتجتنب الجسيمات الذرية رغم سرعتها وقد تحتك معها ولكن – ستنجو من الفناء لتكتب للبشرية ماذا عشت هناك.
و الأهم من كل الفروع الاحتمالية الثلاث هو: تلك النقطة التي يجب التركيز عليها وهي: تسجيل ملاحظة عن الكرة وسرعتها وذلك لأنها تمثل الكون حولك. لأنك حينما تنظر فمن المحتمل أنك سترى أحد الاحتمالات التالية وهي:
أ – حينما تنظر للكرة هل ستراها صارت بيضاء بالكامل؟
ب- حينما تنظر الكرة هل ستراها صارت سوداء بالكامل؟
ج- حينما تنظر للكرة هل ستراها كما هي ثابتة وتدور ببطئ لأنك بسرعة توازي سرعة دورانها
بالطبع لا يمكن مطلقا ان نلقي الجواب جزافا من خلال خبرتنا في الفيزياء النسبية. وذلك: لأن فيزياء الكم مختلفة عن النسبيات فيجب أن نحصل على الجواب: ونحن في مستوى حجم ذرة. وعلى الأرجح سيكون الجواب هو: سترى أن الكرة قد اختفت بسبب أنك حينها بحجم جسيم ذري، والمعنى هو: أنك ستكون في نطاق وبعد ليس نسبي بل ضمن النطاق الكمي.
ولكن في حين كنت بحجم الذرة وليس أصغر من ذرة فالجواب سيكون: ليس أي أحد من الاحتمالات الآنف ذكرها وإنما سوف ترى الأمر وهو :
أ- امتزاج أبيض مع أسود.
ب- سترى خطوط وليست رقع. في حال كنت تدور عكس دوران الكرة.
ج- في حال دورانك مع دوران الكرة، وبنفس سرعتها. فإنك ستراها كما هي: رقعة بيضاء ورقعة سوداء.
ولكن – نشعر أننا ندور ونتحرك مثال ذلك : أن سرعة عدسة الكاميرا وفق سرعة (50) لقطة للكادر بالنسبة لسرعة المروحة التي يتوجب أن تكون الكاميرا بسرعة أقل منها لكي ترى المروحة تتحرك. وفي حال كانت سرعة الكاميرا أعلى فإنك ستراها واقفة. ومن خلال هذه الرحلة نصل إلى فهم سرعة الكون حولنا ، بالنسبة لضعف حواسنا في حركته.
أما في حال كنت أسرع من الكرة، فإنك سوف تراها شبه متوقفة بل متوقفة. مثال ذلك : إذا كنت أسرع من (الطلق الناري) فمؤكد أنك ستتجنبه. السؤال هنا هل نحن أسرع من الكون أم الكون أسرع منا؟ الجواب: على ما يبدو أننا أسرع من الكون. من خلال كوننا الجسيمات الصاخبة في داخل بالون، وحينما يهتز ويتمدد، فنحن ننضغط ويتم تسريعنا. بسبب طاقات الكون، فمهما بلغت سرعة الكون فنحن أسرع منه.
بالرغم من أننا داخله وهو يسارع حولنا فتنعكس العلاقة بين سرعتنا الجزئية وسرعته الكلية كما لو أنه دليل قاطع على اجتماع النقيضين معا كما في الثقب الأسود أو انهيار نجم كبير في جزء أصغر منه؟ ومن خلال ذلك يمكننا فهم كيفية عدم الشعور بدوران الأرض ونحن عليها.
فهل تطبعنا على ذلك فلا نشعر به ولكن حينما نركب دولاب سنشعر بدوار). الجواب: يكمن في أننا جزء نسبي من كتلة الأرض. والتي هي بنفسها جزء نسبي من نسبة نظامنا الشمسي، بالنسبة للمجرة، التي هي جزء نسبي من حجم الكون. وبذلك: فنحن تكيفنا مع طبيعة سرعة الأرض التي هي خاضعة نسبيا لطبيعة سرعة الكون. وصار بيننا ارتباط نسبي. كذلك ارتباطنا مع إطار الجاذبية. والتي هي: أحد الأسباب في جعلنا لا نشعر بدوران الأرض ونحن فيها. وهو: دليل قاطع على وجود وإمكان أن يجتمع النقيضان كونيا في بعض الأحيان.
نعود الآن للتجربة ونكمل الرحلة مع (العينة) حيث يكون بنفس حجم الجسيمات الذرية. وقبل أن يخبرنا لندع عقولنا تتكلم: قبل أن يتكلم.
أ- نصل إلى شيء مهم وهو: حينما تكون بسرعة جسيم كمي سترى النطاق النسبي ثابت كما لو أنه سماء لأرض. وعبارة عن حاجز مغلق وجدار شبحي يسمى السماء.
ب- حينما يحاول ان يرصد شكل (الكرة) مع تلسكوب. وهو: ضمن نطاق كمي، سيكون الأمر، كحالنا الآن ونحن في النطاق النسبي، حينما نرصد الكون. وكلما تبين للعلماء شيء، يزاد حجم غموض الكون!
ج- إن الكم منفصل عن النسبية التي تحكمنا. بالنسبة للكون، والكتل والأجرام الكونية. وهنا: يمكن لعقولنا ألا تتفاجأ حينما نعرف إن ميكانيكا الكم عالم مستقل. وذلك: لأنه في الحقيقة ليس للجسيم الكمي كتلة بمفهوم واقعنا. مثال ذلك: كتلة حجر بالنسبة لكتلة جبل؟ وإنما له حيز ترددي فهو تردد. تردد بالنسبة لتردد يوازيه. ومن هنا تكون النسبية تعبيرا لغويا، لا وجودا ماديا في النطاق الكمي. و ذلك ويختل توازنك ليس بحجمك كجسيم ذري بل بحجم سرعتك كجسيم ذري. وذلك لأن النسبة هناك تتم وفق السرعة وليس الكتلة بل بسبب سرعة الجسيمات تخلق نوع من الوهم فنرى أن هناك جسيمات لها وجود وفي الحقيقة لاوجود لها هي وهم تخدع الذرة نفسها وتخدعنا وليس كما في العالم النسبي أن هناك كتل وهمية؟ مثل عدم وجود للمشتري أو زحل ولكن من الممكن أن هناك ذرات بلا نترون حقيقي رغم أننا نرصده في المختبر! ولذلك إلى الآن يواجه العلماء عدة مشاكل غامضة حين يصلوا للقفزة الكمية أو لحركة الإلكترون. أو عدم الفهم الشامل للذرة.
د- العلماء باحثون، ولايملكون الحقيقة المطلقة فهم بين الاحتمالية الآن. ولكن – مؤكد بالنسبة للمستقبل سيتكفل بإيضاح أنهم على جهل في فهم الإلكترون. فهو تردد وله حيز في فضاء الكميات. نتيجة السرعة، وهندسة مساره، فيكون ذو شحنة، وتكون له كتلة بسبب الشحنة، وليس كتلة بمفهوم واقعنا النسبي. فكتلة الجسيم أو الإلكترون مرتبطة بانتهاء شحنته. وحينما يفقد الشحنة سنرى كل شخص مراقب للإلكترون في حيرة من أي مسار قد يسلكه هذا (الجسيم) أو التردد؟. وأغلب الجسيمات مادون الذرية لها نفس السلوك ويصعب تصديق وجودها حتى. و لذلك فإن الجسيم بدون كتلة وشحنة سيبقى له وجود وحيز ترددي معين، ومسار شائك. من خلال أننا لربما نرصد ماضيه دون أن ندرك، ونعتبره حاضر. فكتلة الجسيمات ليس كتلة بمعنى حجر بالنسبة لجبل . فالنسبية حولنا التي تحد وجودنا الإحيائي والطبيعي لا تعمل في عالم الكم.
هـ- إن الحد الفاصل بين عالم النسبيات وعالم الكم هو الذرة. وذلك: بسبب أن قوانين عالم الكم لا تطبق على عالم النسبيات الذي هو: رباعي الأبعاد. ويمكننا أن نقول أن الأمر مثل ساعة رملية فيها قطبين. والحجم الذري هو نقطة صفر بين العالمين. وأن العالمين سواء كمي او نسبي هما بوتقة تكاملية للكون
ولسوف يبين المستقبل لنا خطأ العلماء بأن الفوتون او الإلكترون هو تردد وجسيم معاً، فهم واهمون. إنما هو؛ تردد وحركته تأخذ حيز في فضاء وأبعاد عالم الجسيمات. وأنه محتوم المسار. لكن – يجب أن ندرك حاضره وليس ماضيه المحير.
إذاً: المشكلة، والنتيجة، و الحلول هي: أن عالم الكم بقوانينه وطبيعته وسرعته وفضاءاته. يختلف ومنفصل عن عالمنا وفضاءاتنا وبعدنا النسبي. وأن الحد الفاصل بيننا وبينه هو حجم الذرة.
لذلك فقد يكون كل الاحتمالات التي وردت هي خاطئة ، لكون عالم الكميات يسير وفق أبعاد كثيرة وأن عالم البشر هو عالم نسبي.
وحينما نرجع لأعماق تلك التجربة الافتراضية، وأنت: بحجم جسيم وتتحرك بسرعة الضوء، أو أقل منه. فمن المؤكد أن النظر هنالك سيكون مختلف جدا، وغريب لعالم النسبيات كما ننظر لعالم الكميات على أنه غريب ومتناقض؟
إلا أنه في الحقيقة كل شيء يسير وفق مسار وحتمية وسببية وخاضع للمنطق والرياضيات في عالمنا النسبي؟
وقبل أن تنتهي رحلتنا نود أن نركز على أن لب هذه الرحلة الذهنية في تجربة مستقبلية هو: فتح فضاء للتساؤل و إعطاء نتيجة عقلية وهي:
حينما يكون شخص مدرك في حجم الجسيمات، فيقوم برصد عالم النسبيات، سيجده غريبا ومتناقضا. وقد يراه: يسير في لاحتمية رياضية حتى بالرغم من أننا نرى أن العالم النسبي محتوم.
ولذلك فإن لب هذه التجربة من لب الرحلة هو أننا نود طرح فكرة وموضوع في هذا المقال وهما:
أ- أن عالم الجسيمات محتوم حقا، وليس ارتيابيا بالنسبة لنا. و أما: الارتياب واللاحتمية لها وجود في اوهام الباحثين والعلماء القاصرة عقولهم التي تتسرع لتثبيت حقيقة مطلقة.
وبذلك: فإن العينة في تلك التجربة سيرى (العالمين) – العالم النسبي المتمثل في (الكرة)، والعالم الكمي الذي هو فيه. سيرى كل منهم على الأشكال الاتية:
أ- سيرى أنهما كقطبين لساعة رملية، تتدفق حبيبات الرمل الصغيرة من العالم الكمي إلى وسط الساعة، وهو: المتمثل بحجم الذرة. فالذرة هي الحد الفاصل بين عالم الكميات وعالم النسبيات.
ب- سيرى الجسيمات الكمية تذهب لوسط الساعة، فتكون ذرة. والذرة بدورها تصعد للجانب النسبي، فنراها: نحن في المختبر قد تساهم في (أصرة) مع ذرات وصارت جزيئات ثم مادة.
ج- سيرى أيضا بذات الوقت ذرات وجزيئات تتفكك إلى أجسام كبيرة، ثم تتفكك وتتهاوى إلى وسط الساعة، فتدخل كطاقة وشحنات لعالم الكم، حيث هو: ضمن نطاق عالم الجسيمات الكمية، مثل دورة انتروبية طاقة إلى مادة ثم إلى طاقة.
• ويبقى السؤال مطروحا يلازم البشرية وهو: هل يمكن للبشرية يوما ما أن تدخل عالم الكم، وفضائاته؟ وتخوض في غماره بمركبات كمية، كما تحلم أن تخوض غمار الكون النسبي بمركبات فضائية – فماذا لو كان فضاء وعالم الكم هو: الطريق المختصر للتنقل بين المجرات والأبعاد. ونحن متأكدون بأن ذلك اليوم سيأتي.
وفي نهاية الرحلة نقتبس من ماكس بلانك (1858 – 1947).
.”ما يبدو لنا اليوم غير قابل للتصور، سيصير يوماً من وجهة نظر أوسع، بالغ البساطة والتناسق. ”