عندما أصبحت المعرفة العلمية أكثر دقة ، ووسائل التحري أكثر اكتمالا ، اقترحت نماذج متعددة لبنية الذرة atom .
وينسب إلى العالم طومسون، في نهاية القرن الماضي، أنه أول من اقترح نموذجا البنية الذرة ؛ إذ إنه اعتبر الذرة كتلة كروية موجبة تتوزع فيها الالكترونات السالبة بصورة ما ، بحيث تكون الذرة بمجموعها معتدلة كهربائية .
ثم اقترح رذرفورد عام 1911 النموذج المدرسي لبنية الذرة ، الذي لا يزال معتبرا حتى الآن من حيث المبدأ والشبيه بالنظام الشمسي.
ویری رذرفورد أن الذرة عبارة عن نواة موجبة مركزية والكترونات سالبة تحوم حولها في مدارات ثابتة، تماما كما تدور الكواكب حول الشمس.
والطريف أننا نجد العلماء العرب قد سبقوا إلى هذا المفهوم قبل أكثر من ستمائة سنة، كما يتضح من قراءة أبيات من قصيدة لصاحب الشذور، وهي تتحدث عن نوعين من وحدات بناء المادة أحدهما «كوكب يدور» کالكواكب السيارة ، والثاني «مركز للمراكز» يدور الأول حوله.
كما تتحدث هذه الأبيات عن التعاكس في الشحنة ولكنها تستعمل «العالي» و «السافل» بدل «الموجب» و «السالب».
ومهما يكن من أمر، فإن هذا التشابه في البنية الذي يكاد لا يصدق، بين المجموعة الشمسية اللامتناهية في الكبر وبين الذرة اللامتناهية في الصغر يجعلنا نغرق في التأمل بالجوهر الواحد لهذا العالم.
فالمادة في حالتها الحية وغير الحية مكونة من ذرات تتحد فيما بينها وفق علاقات معقدة لتشكل الجزيئات molecules المختلفة، وتنتج من اتحاد الوحدات الأساسية كل الأشياء المحيطة بنا.
ونجد أيضا عند دراسة الأشياء اللامتناهية في الكبير كالنجوم والمجرات والقبة السماوية نفس النموذج من الذرات، مما يشير إلى أن العالم بمجموعه يخضع إلى قوانين الجذب والدفع والطاقة أو المغناطيسية الثابتة والمحددة.
إن أقرب المفاهيم إلى الواقع عن بنية الذرة قد أتي من الفيزياء النووية، وهو يعود بصورة موجزة إلى نموذج رذرفورد المدرسي، حيث تعتبر الالكترونات ظاهرة من ظواهر الطاقة energy كالضوء. وتتميز هذه الالكترونات بأربعة من أعداد الكموم quanta نستطيع بواسطتها تحديد المكان الذي يحتمل أن يوجد فيه الإلكترون في أية لحظة، في تلك المناطق المحيطة بالنواة والتي تسمى بالمدارات.
وقد يحسن بنا أن نحتفظ بتعبير «المدار» للحديث عن مسار محدد معروف معين كالذي نراه في مدارات الكواكب السيارة. أما عندما نتحدث عن الالكترونات فمن الخير أن نتحدث عن shell ، تدور فيه الالكترونات ، ويحار الباحث في تحديد مكانها بالضبط، أو فلنقل «مداري» orbital تحوم فيها الالكترونات حول النواة طالما أن كل ما نستطيع أن نفعله هو أن نحدد غيمة أو سحابة من النقاط التي يحتمل أن يمر بها الالكترون لا يتعداها.
على أننا سنجد في كل مدار عددا من الأفلاك، تحتوي على الكترون واحد أو اثنين. ويعتمد على هذه الحقيقة نشاط الذرة وفعاليتها. فالمدار الذي يشغله الكترون واحد فقط، هو الذي يستطيع تشكيل رباط أو رابطة مع مدارات حرة جزئيا تخص ذرات أخرى. وبينما تكون المدارات الداخلية المشغولة بالكترونين ثابتة دائما، نجد أن المدارات الخارجية التي فيها شواغر، ملائمة التشكيل الروابط.
نظام مندليف:
كان من عبقرية مندلييف، أنه اكتشف سنة 1871 ، وقبل أن توضع النظريات الحالية للبنية الذرية بكثير، أن العناصر elements تصطف في نظام دوري periodic system على أساس مميزاتها وخصائصها التي نعتبرها اليوم راجعة إلى البنية الذرية. ونحن لازلنا نستعمل حتى اليوم نفس النظام الذي نفذت إليه بصيرة هذا العبقري.
رتب مندلييف العناصر في جدول كبير، وأطلق على مجموعات العناصر التي تقع على خط عمودي واحد اسم الفصائل أو الزمر groups ؛ وعلى مجموعات العناصر الواقعة على خط أفقي واحد اسم الدورات . periods
تضم الزمر عناصر متشابهة في خواصها الكيميائية، من جراء تشابه بنيتها الذرية الخارجية، أعني نتيجة التشابه في سلوك الكتروناتها الموجودة في المدار الخارجية، وهي الالكترونات التي تحدد فعالية العنصر وسلوكه. ومن هذه الزمر التي يجب أن نخصها بالذكر زمرة الهالوجينات التي تضم عناصر الفلور
والكلور والبروم واليود، وزمرة المعادن القلوية التي تضم عناصر الليثيوم والصوديوم والبوتاسيوم …. الخ.
وبدلا من ذلك، نجد أن الأدوار تضم عناصر يتوالى ازدياد القيمة الحسابية لأعدادها الذرية حتى الوصول إلى الغاز الكامل، أعني إلى الذرة التي تكون جميع مداراتها مشغولة بالكترونين. ولهذا تكون هذه الذرة ثابتة كيميائية وهي ليست قابلة للتفاعل مع ذرات أخرى.
وكمثال على ذلك نجد أن الدور الأول يبدأ بعنصر الهدرجين وينتهي مباشرة بعنصر الهليوم وهو الغاز الكامل الأول. ونجد في الدور الثاني ثمانية عناصر تنتهي بعنصر النيون وهو الغاز الكامل الثاني وهكذا
يمثل الدور تتابع امتلاء المدارات الخارجية بالكترونين في كل منها والتدريج حتى الوصول إلى الغاز الكامل الذي تصبح جميع مداراته مشبعة أي ممتلئة.
ويظهر مما تقدم أن كل العناصر التي تحتوي عددا زوجيا من الالكترونات تكون جميع مداراتها مشبعة، مع أن هذا غير صحيح وذلك لوجود مستويات مختلفة في المدار الواحد هي التي دعوناها افلاك، كلما ابتعدنا عن النواة.
ففي المستوى الأول يوجد مدار کروي واحد يسمى المدار «ٍS» يمكن أن يحوي إلكترونين كحد أعظم، وهذا ما يفسر کون الغاز الكامل الأول هو الهليوم حيث Z=2
وفي المستوى الثاني يوجد مدار کروي « S» وثلاثة مدارات « P» اهليلجية الشكل elliptical مختلفة التوجيه. ولهذا نجد في المستوى 2 أو المدار الثاني متسعا لثمانية الكترونات ؛ مما يفسر کون الغاز الكامل الثاني هو النيون حيث Z=10
أما المستوى الثالث ففيه كما في المستوى الثاني مدار واحد «S» وثلاثة مدارات «P» . بالاضافة إلى مستويات أعلى حيث يتزايد عدد المدارات المحتملة وتصبح البنية أكثر تعقيدا نتيجة تداخل المستويات المختلفة من جراء تراكب مستويات الطاقة بعضها فوق بعض.
كما أن هنالك قاعدة تسمى قاعدة هوند التي تبين كيف تحميل الالكترونات في كل مستوى طاقة، عندما يتزايد العدد الذري، إلى ترتيب نفسها في البداية واحدا فواحدا في المدارات الحرة ثم تبدأ في التزاوج حتى الوصول إلى بنية الغاز الكامل.
المصدر
مجلة موسوعة الشباب
مواقع الكترونية