ان سلالات الكائنات الحية التي يحدث فيها تغيرات وراثية طفيفة خلال فترات زمنية طويلة تتمكن مواجهة التغيرات البيئية بشكل افضل من الكائنات الحية التي يحدث فيها تغيرات حادة لا تناسب البيئة كما يرى عالم التطور تشارلس داروین .
ان صراع البقاء ظاهرة عامة في كافة الكائنات الحية ، فصغار الكائن الحي مثلا تتنازع البقاء فيما بينها بحيث يبقى الأقدر الحياة والأصلح ويتم حذف الكائنات الأخرى وموتها.
لقد أطلق العالم هربرت سبنسر على هذه الظاهرة اسم البقاء للأصلح أو الانسب ، وبفضل هذا الانتخاب الطبيعي Natural Selection تهلك الأفراد الأضعف التي لا تحقق التكاثر والمحافظة على نوعها ، لذا تفنى کائناتها من الطبيعة كما تبين لنا من نتائج الحفريات، حيث أنه كانت هناك كائنات حية عديدة انقرضت مع الزمن .
ان عمية الانتخاب الطبيعي تستمر مع الزمن وهي عملية لا تتوقف اذ تنتج أفرادا أكثر تلاؤما ونجاحا مع البيئة . فمع التغيرات التي تحدث في الظروف البيئية، فان الكائنات الحية التي تعيش في تلك البيئة سوف تنقرض، وسوف تبقى الكائنات التي يمكنها التعايش مع هذه البيئة الجديدة ، أو قد تحدث تغيرات في الصفات الوراثية لهذه الأنواع لتلائم الشروط البيئية الجديدة ، أو قد تهاجر الافراد إلى بيئة جديدة أكثر ملائمة لها، وهذا ما رآه داروین ، اذ بين ان نشوء الأنواع في البيئات الجديدة المتبدلة وانقراض الأنواع في الأزمنة الجيولوجية الغابرة .
ادلة وبراهين على الانتخاب الطبيعي
أيدت الدراسات والتجارب الحديثة والتجارب التي أنجزت بكل عناية ودقة قانون الانتخاب الطبيعي لداروین ، ومن هذه التجارب ما يلي :
أجريت في جامعة متشجان تجربة على نوع من الفئران تشمل سلالتين احداهما ذات لون أصفر برتقالي ، والاخرى ذات لون رمادي. وقد عرضت الفئران في الليل لهجمات نوع من الطيور الجارحة، وكانت أرض الغرفة تغطی یوما بتربة تحاكي لون الفئران الصفراء، و يوما آخر بتربة تحاكي لون الفئران الرمادية على التوالي. وقد وجد بعد (44) محاولة افتراس أن عدد الفئران البارزة التي لا يحاكي لونها لون أرض الغرفة عرضة للافتراس بمقدار ضعفي الفئران المموهة.
وهناك أمثلة حية في الطبيعة ، فالحيوانات المتكيفة مع رمال الكثبان البيض هي حصيلة الطفرات والانتخاب الطبيعي خلال آلاف السنين ، أي أن الانتخاب يحتفظ بكل طفرة لها فرصة أفضل للبقاء، وتنتقل الصفات من جيل إلى جیل بفضل الوراثة فتفنى الأفراد ذات الصفات الوراثية الضعيفة التي لا تلائم البيئة ، وتبقى الأفراد ذات الصفات المميزة الملائمة للبيئة .
واذا مضى زمن طويل أصبح الفرد الآخر يختلف عن الفرد الأصلي بسبب هذه التغيرات ، بحيث يمكن اعتباره فردا قائما بذاته. وبهذه الطريقة تتكون أشكال جديدة من الكائنات الحية يلائم كل منها الظروف البيئية التي يعيش فيها ، وحيث أن الظروف البيئية في تغير مستمر كما عبر عن ذلك داروين في كتابه أصل الأنواع ، ويمكن القول بعبارة أخرى أن هناك غربالا لانتقاء الأفراد الأصلح للبيئة التي تحمل الصفات الوراثية المميزة . واستمرار الانتخاب الطبيعي لعدة أجيال يؤدي في النهاية إلى ظهور أفراد ذات صفات مغايرة للفرد الأصلي لدرجة يمكن اعتبارها نوعا جديدا . وبعبارة أخرى فإن الانتخاب الطبيعي هو عامل التطور الهام.