• روافد نهر النيل
• نهر النيل الأبيض
• نهر النيل الأزرق
• نهر عطبرة
• نسب المشاركة في مياه النيل
• حالة التساقط (المطر) بقطاعات حوض النيل
• سدّ النهضة الإثيوبي (الألفية)
الدكتور سعود شهابِ
آفاق علمية وتربوية
مصر هبة النيل.. لم تكن في يوم من الايام مجرد عبارة تردد في كُتب التاريخ، بهذه الكلمات الثلاث استطاع أبو التاريخ المؤرخ الإغريقي الأشهر هيرودوت خلال القرن الخامس قبل الميلاد، أن يلخص كل شيء بحياة مصر، فذلك النهر الخالد بدأت على ضفتيه أقدم وأعظم حضارة على الكرة الأرضية، وبدونه تبقي مصر صحراء قاحلة مترامية الأطراف.
مصر هبة النيل.. هكذا كان يقصد هيرودوت قبل ألفي وخمسمائة سنة، فتلك الحضارة التي ازدهرت على ضفافه، ما كانت لتكون لولا ماء النيل وطميه المتجدد مع كل عام حاملاً الخصب والحياة لمصر، ضامنا إلى الأبد خصوبة التربة وما تطرح من خيرات، وهو ما يمكن أن يلاحظ عندما تري مصر لأول مرة من نافذة الطائرة، فتبدو شريطاً أزرقاً طويلا، يحيط به من االطرفين شريطان أخضران ينتهي بدلتا مثلثة الشكل، ومن خلفهما تترامى الرمال الصفراء بلا حدود.
مصر هبة النيل.. لم يبالغ العالم الفرنسي جاك فاندييه في دراسته بعنوان المجاعة في مصر القديمة، عندما أشار إلى أن نهر النيل هو الأساس الذي اعتمدت عليه الحياة المادية والاجتماعية في مصر، لذا اجتهد المصريون القدماء في ابتكار طرق تهدف إلى الاستفادة من مياه النهر، من خلال تنظيم الري وحفر الترع لزراعة أرض الوادي.
مصر هبة النيل.. أطلق المصريون القدماء على نهر النيل في اللغة المصرية القديمة إيترو عا، بمعنى النهر العظيم، وتشير الأصول اللغوية لكلمة النيل إلى أنها من أصل اليوناني نيلوس، بيد أن آخرين تحدثوا عن أصول فينيقية للكلمة اشتقت من الكلمة السامية نهل، بمعنى مجرى أو نهر، كما أن المؤرخ اليوناني ديودور الصقلي يؤكد إن النيل أُطلق عليه هذا الاسم تخليدا لذكرى ملك يدعى نيلوس، اعتلى عرش البلاد وحفر الترع والقنوات فأطلق المصريون اسمه على نهرهم الخالد. وتُستخدم نيلوس كاسم علم مذكر بحسب عقد بيع مدوّن على بردية يعود إلى العصر الروماني، يحتفظ به المتحف المصري، بين رجل يدعى نيلوس وآخر يدعى إسيدوروس.
أكد العالم المصري رمضان عبده، أن كلمة النيل مشتقة من أصل مصري صميم من العبارة نا إيترو، والتي تعني النهر ذو الفروع، كما أطلق المصريون على مجرى النهر اسم حبت إنت إيترو، أي مجرى النهر، وأطلقوا على فروع النيل في أرض مصر إيترو نوكيمت، أي فروع الأرض السوداء، وقد أُطلق عليه اسم البحر، وكذلك سموه الفيض، وذكر في القرأن الكريم باسم اليم.
ويعتقد المصريون القدماء بأن سبب فيضان النيل كل عام هي دموع إيزيس حزناً على وفاة زوجها الإله الفرعون أوزوريس.
لقد أدرك المصريين القدماء أن نهر النيل هو رب الحياة التي خلقت حضارتهم، لذا نظروا له بعين القداسة، وخصصوا له عددا من الأرباب أشهرهم الإله حعبي، والذي يمثل فيضان النيل سنويا، بداية الخلق ومصدر الحياة الأولى لمصر القديمة. وقد وصف بـسيد القرابين، وكان أهم دورًا له كمعبود في تجسيد فيضان النيل، لذا جاء ذكره كثيرا فيما يعرف أناشيد النيل، وضمن فقرات في نصوص التوابيت، كما أُطلق عليه أيضا سيد الفيضان، ورب أزلي، والخالق، ورب الأرباب، وأقدم الأرباب، كما وصف بـسيد الكل، الذي يحدث التوازن في الكون.
فليحيا الإله الكامل، الذي في الأفواه، إنه غذاء مصر وطعامها ومؤونتها، إنه يسمح لكل أمرئ أن يحيا، الوفرة على طريقته، والغذاء على أصابعه، وعندما يعود يفرح البشر، كل البشر، هكذا عبر المصريون القدماء في ترنيمة دونوها في نصوصهم الأدبية، تبرز مقدار تبجيلهم لنهر النيل، جاعلين منه الإله الخالق لمصر، وواهب الحياة والخُلد لها منذ القدم.
روافد نهر النيل:
ينبع النيل الأبيض من منطقة البحيرات العظمى في وسط أفريقيا، أبعد مصدر يوجد في جنوب رواندا ويجري من شمال تنزانيا إلى بحيرة فيكتوريا، إلى أوغندا ثم جنوب السودان، في حين أن النيل الأزرق يبدأ في بحيرة تانا في أثيوبيا ثم يجري إلى السودان من الجنوب الشرقي ثم يجتمع النهران عند العاصمة السودانية الخرطوم. إجمالي طول النهر 6650 كم، ويغطي حوض النيل مساحة 3.4 مليون كم²، ويمر مساره بإحدى عشرة دولة إفريقية يطلق عليها دول حوض النيل.
نهر النيل الأبيض:
يعتبر نهر لوفيرونزا في بوروندي هو أقصى مصادر النيل جنوبًا، وهو أحد روافد نهر كاجيرا، يقطع النيل الأبيض مسارًا طوله 690 كم قبل أن يصب في بحيرة فيكتوريا. تعتبر بحيرة فيكتوريا هي المصدر الأساسي لمياه النيل الأبيض وهي ثاني أكبر بحيرة عذبة في العالم. تقع البحيرة في منطقة غنية بالمستنقعات على حدود كل من أوغندا وتانزانيا وكينيا ويقطعها خط الاستواء، وهذه البحيرة بدورها تعتبر ثالث البحيرات العظمى، وتبلغ مساحتها 67 ألف كيلومتر مربع وعمقها بالمتوسط 40 مترًا.
يخرج نهر النيل من بحيرة فيكتوريا عند مدينة جينجا، يعرف النيل في هذا الجزء باسم نيل فيكتوريا، ويجري لمسافة 70 كيلومترًا حتى يدخل بحيرة كيوجا وهي بحيرة ضحلة لا يتجاوز عمقها 7 أمتار، ثم يغادرها عند ميناء ماسيندي ويستمر في مساره عبر شلالات مورشنسون حتى يصل إلى بحيرة ألبرت بعد 500 كم من مغادرته لبحيرة فكتوريا، ينحدر فيها حوالي 514 مترًا، تبلغ مساحة بحيرة ألبرت حوالي 5300 كيلومتر مربع، ويغذيها نهر سميليكي الذي ينبع من بحيرة إدوارد.
بعد مغادرة بحيرة ألبرت، يعرف النيل باسم نيل ألبرت ثم يصل النيل إلى جمهورية جنوب السودان ليدخلها عند مدينة نيمولي حيث يمر عبر شلالات فولا ليعرف عندها باسم بحر الجبل، ثم يلتقي بنهر أسوا على بعد 20 كيلومترا من نيمولي. يدخل النهر بعد ذلك منطقة السدود وهي منطقة من المستنقعات الكثيفة، ويتفرع منه بحر الزراف ليلتقي معه فيما بعد. يتصل بعدها النهر ببحر الغزال ويجري شرقًا ليلتقي ببحر الزراف ثم يلتقي بنهر السوباط الذي ينبع من الهضبة الأثيوبية. ثم يستعيد مساره نحو الشمال ويمتد النيل لمسافة 720 كم يعرف فيها باسم النيل الأبيض، ويستمر النيل في مساره حاملًا هذا الاسم حتى يدخل جمهورية السودان ثم يمر بالعاصمة السودانية الخرطوم.
نهر النيل الأزرق:
يعدّ النيل الأزرق الرافد الرئيسيّ لنهر النيل، ويبلغ طوله 1600 كم، يصعد من بحيرة تانا شمال غرب إثيوبيا على ارتفاع 1800 متر، ويتدفّق بالعموم من منطقة جنوب بحيرة تانا، ثمّ غرباً عبر إثيوبيا، ثمّ يذهب في الجهة الشمالية الغربية في السودان، ويلتقي مع النيل الأبيض لتشكيل نهر النيل، ويشار إلى أنّ ثلثي مياه نهر النيل تأتي من مياه تدفق النيل الأزرق التي تصل إلى الحد الأقصى في موسم الأمطار من شهر حزيران إلى شهر أيلول. وقد سبّب النيل الأزرق الفيضان السنويّ لنهر النيل، قبل الانتهاء من بناء سد أسوان العالي عام 1970 في مصر، ويُطلَق عليه اسم نهر عاباي في إثيوبيا الذي يتدفّق في ممرّات عميقة، ويتلقّى العديد من الروافد، وتتواجد سدود على النيل الأزرق، عند مدينة الروصيرص، ومدينة سينار في السودان، ويتمّ استخدام سدّ هذه المدينة لري مشروع الجزيرة في ود مدني.
ملتقى نهري النيل الأبيض والأزرق:
يتحد النيل الأبيض والأزرق في منطقة المقرن بالخرطوم ليشكلا معا نهر النيل، وتشكلت في المنطقة أحد أعرق أحياء الخرطوم ألا وهو المقرن. ويوجد بها إحدى أقدم الحدائق النباتية بالقارة الحديقة النباتية القومية.
نهر عطبرة:
هو أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، وينبع من المرتفعات المحيطة ببحيرة تانا في إثيوبيا، ويبلغ طوله 800 كم، وبالرغم من ذلك يجفّ نهر عطبرة بسرعة، حيث يتدفّق خلال مواسم الأمطار فقط في إثيوبيا، متجّهاً نحو الغرب في السودان، ومن ثمّ يتحوّل شمالاً ليصل إلى نهر سيتيت، وبعدها يتّجه شمالاً غرباً نحو النيل ليصب في نهر النيل بعد الخرطوم بحوالي 300 كم، وقد تمّ بناء سدّ عند منحدر النهر لمدينة خشم القربة في السودان، يستخدم في تخزين المياه والري.
نسب المشاركة في مياه النيل:
يحصل النيل على مياهه من المصادر الأثيوبية بنسبة تبلغ 86% وفقاً للنسب التالية:
– النيل الأزرق 59% من الإيراد نهر النيل
– نهر السوباط 14% من الإيراد نهر النيل
– نهر عطبرة 13% من الإيراد نهر النيل
– بحر الجبل 14% من الإيراد نهر النيل
تشكل السدودُ أحدَ أهمّ مظاهر التدخّلِ البشري في البيئة النهرية، إلا أنها برغم ذلك تُعَدُ ضرورة حياتية وتنموية للكثير من سكان هذه البيئات، فوفقاً لبياناتِ (اللجنة العالمية للسدود W.C.D) يَعتمدُ ما يتراوحُ بين 30-40% من الأراضي الزراعية بالعالم على السدود. هذا بالإضافة إلى ما تسهمُ به تلك السدود (قرابة 50 ألف سدٍّ كبير بالعالم) في مجال الطاقة الكهرومائية، حيث تُسهم بنحو 19% من جملة الإنتاج العالمي للطاقة (2.650 تيراوات/السنة)، فضلاً عن توفيرها مصدراً منتظماً لمياه الشرب النقية والري. تشترك في مياه الحوض إحدى عشرة دولة، هي أوغندا، تنزانيا، رواندا، بوروندي، الكونغو الديموقراطية، كينيا ، جنوب السودان، إثيوبيا، إريتريا، السودان، مصر.
حالة التساقط (المطر) بقطاعات حوض النيل:
يمتد حوض النيل من الجنوب إلى الشمال، عبرَ ما يزيد على 35 درجةً عَرْضيةً؛ وهو ما أسهَمَ في تفرِّدِ النهرِ وحوضِهِ من الناحية الإيكولوجية، لِمَا اشتمله من أنماطٍ بيئيةٍ متنوعةٍ، ومناطق مناخية ونباتية متعدّدة. وقد بلغ المتوسط العام للتساقط داخل الحوض 615 ملم/سنوياً، يرتفع في كينيا والكونغو إلى 1260 و 1245 ملم، ويصل إلى 1140 و 1125 ملم في أوغندا وإثيوبيا، وإلى 1110 و 1105 و 1015 ملم في بوروندي ورواندا وتنزانيا على التوالي – (انظر: شكل 1)، بينما ينخفض إلى 520 ملليمتراً في إريتريا، ويتدنى شمالاً إلى 500 ملم في السودان، و 15 ملم فقط في مصر.
شكل 1. معدلات سقوط المطر بحوض النيل (مم/ سنة)،
عن Camberlin, P., 2009
السدود والخزانات المائية القائمة:
يظهر الجدول 1، العديد من المشروعات المائية على النهر، لتخزين المياه أو لتلبية الاحتياجات المائية، وكان أهمها سدّ أوين، جبل الأولياء، الروصيرص، سنار، خشم القربة.
ومنذ 1900 حتى 2010 بلغ عدد السدود المقامة على نهر النيل وروافده 19 سداً وقد امتلكت إثيوبيا منها 6 سدود، بينما بلغ عدد السدود قيد الإنشاء 11 سداً استحوذت أثيوبيا منها على 5 سدود وأكبرها وأكثرها جدلاً سد النهضة. وتكمن الخطورة على مستقبل مصر والسودان المائي، من خلال العدد الهائل للسدود المقترح انشاؤها بعد 2020 والبالغ 28 سدا، ومنها 8 سدود أثيوبية. وأما في مصر تعددت مشروعات الضبط والتخزين المائي، وكان أهمها على الإطلاق خزان أسوان، والسدّ العالي، بُني الأول عام 1902م، بسعةٍ تخزينيةٍ مليار م3، وتمت تعليته مرتين في عام 1911، وعام 1926، لترتفع سعته التخزينية إلى 5.5 مليارات م3. أما السدّ العالي فيُعدّ أكبر مشروع مائي على النهر، افتُتح عام 1971، وهو من النوع الركامي، وأقصى منسوب للمياه المحجوزة أمامه في بحيرة ناصر 183 م، حيث تبلغ سعةُ البحيرةِ التخزينية، عند هذا المنسوب 169 مليار م3، وتنتج المحطة طاقة كهربائية تصل إلى 2100 ميغاوات.
جدول1. السدود الرئيسة المكتملة والجاري إنشاؤها والمخطط لها في حوض النيل، عن: فرج
ويبين الجدول 2، أن أكبر تجمع بشري يتركز في كل من إثيوبيا ومصر (86.538 ، 83.958 مليون نسمة) على التوالي، بالإضافة إلى تميز دول حوض النيل بزيادة معدل النمو السكاني السنوي بما يتجاوز 2.5%، عدا مصر والبالغة 1.8%، ما يعني ان عدد السكان بحالة زيادة متسارعة ومستمرة مما يشكل ضغطاً كبيراً في استهلاك الموارد الطبيعية واستنزافها، والحاجة إلى زيادة تأمين مصادر الطاقة الكهربائية.
وتعد مصر والسودان من أكثر دول الحوض اعتماداً على الموارد المائية الخارجية الضرورية لنمو الاقتصاد الوطني وازدهاره، إذ بلغت نسب مرتفعة (96.9 ، 76.9%) على التوالي.
الجدول 2. عدد السكان ومعدل النمو السكاني بعض المؤشرات المائية التنموية والمائية، عن: فرج
سدّ النهضة الإثيوبي (الألفية):
هو سد إثيوبي يقع على النيل الأزرق بولاية بنيشنقول قماز بالقرب من الحدود الإثيوبية السودانية، على مسافة تتراوح بين 20 و40 كيلومتر. وعند اكتمال إنشائه، المرتقب والذي تأخر لعام 2020، سوف يصبح أكبر سد كهرومائي في القارة الإفريقية، والعاشر عالميًا في قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء. تقدر تكلفة الإنجاز ب 4.7 مليار دولار أمريكي. وهو واحد من ثلاثة سدود أقيمت لغرض توليد الطاقة الكهرمائية في إثيوبيا. تَشغَلُ إثيوبيا المكانة الأكثر أهمية بالنسبة لكلٍّ من مصر والسودان، إذ أنَّ أكثر من 86% من إجمالي الإيراد السنوي لنهر النيل عند أسوان يأتي من الهضبة الإثيوبية والمتمثلة بروافد النيل الأكثر أهمية النيل الأزرق والعطبرة والسوباط.
وقد أعلنت إثيوبيا (رفضها المطلق) لاتفاقيات تقسيم مياه النهر، وعلى الأخصّ اتفاقية 1959م بين مصر والسودان التي تنصّ على (الحقّ التاريخي المكتسب) في مياه النيل، وأعلنت أنها سوف تحتفظ لاستعمالها الخاص مستقبلاً بموارد النيل وتصريفاته في الإقليم الإثيوبي، بينما وقّعت مع مصر في يوليو 1993 إطاراً للتعاون والاتفاق على استخدام مياه النيل على أساس مبادئ القانون الدولي، والامتناع عن أي نشاط يؤدي إلى ضرر بمصالح الطرف الآخر فيما يخصّ النيل، ويلتزمان الطرفان بالتشاور والتعاون في المشاريع ذات الفائدة المشتركة.
وكانت جامعة أديس أبابا قد نشرت في عام 1984 دراسةً؛ أَوْضَحَ فيها صاحبُها أنّ إثيوبيا تتحكم تماماً، بفضل النيل، في كلٍّ من مصر والسودان، وأنه يكفي التصرف في 10% من المياه المخصّصة للريّ في البلدين، لكي يصبح ذلك مسألة حياة أو موت، وبدأت إثيوبيا في ترجمة ذلك من خلال سلسلة السدود التي شرعت في إنشائها على منابع النيل بأراضيها، وبالأخصّ على النيل الأزرق الذي يتدفق عبره نحو 48 مليار م3 من المياه سنوياً باتجاه السودان ومصر، ويُعدّ سدّ النهضة الإثيوبي الكبير أو سدّ الألفية أحدَ أكبرِ هذه السدود، ويستهدف السدُّ توليدَ الطاقة الكهربائية بقدرة 6 آلاف ميغاوات سنوياً.
ولا شك أنّ لإثيوبيا كسائر دول الحوض الأخرى الحقّ في التنمية وإنتاج الطاقة الكهربائية، ولكن من الصعوبة تَــفَهُّمُ شُروعِ الجانبِ الإثيوبي في إنشاء السدّ بينما توجد بدائل تحقّق غايته التنموية أخفّ ضرراً وأقلّ خطورة منه.
وقد أظهرت دراسةٌ، أجراها (مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي) فيما بين عامي 1959 و 1964، أنه لا توجد أراض في حوض النيل الأزرق يمكن زراعتها، وإنما توجد أراض في الهضاب المحيطة يمكن توصيل الماء إليها وزراعتها، وعلى الأخص حول بحيرة تانا، وحول رافدي الانجار والفنشا، وعلى الحدود الإثيوبية السودانية، وتبلغ مساحة هذه الأراضي نحو مليون فدان، ويتطلب رَيُّها حوالي 6 ملياراتِ م3/السنة، ورَكَّزَ التقرير في إمكانيات استخدام مياه النيل الأزرق لتوليد الكهرباء، واقترح بناء أربعة سدود كبيرة بقطاع المجرى الأدنى من النيل الأزرق في الأراضي الإثيوبية، وهي سدود كارادوبي، ومابيل، ومندايا، والحدود، وتبلغ سعتُها التخزينية مجتمعةً 73.104 مليار م3، كما يبلغ إجمالي الطاقة التي يمكن توليدها من خلالها إلى حوالي 5500 ميغاوات.
وتقدّمت الحكومتان المصرية والسودانية بمقترح آخر، يتضمّن إنشاء خزان قبل موقع شلالات تسيسات على النيل الأزرق، يرفع منسوب التخزين في بحيرة تانا 10 م كاملة، وتتجلى وجاهة الفكرة في توفيرها نحو 10 مليارات م3 من المياه، تُفقد بالتبخر سنوياً في بحيرة ناصر عند أعلى منسوب للتخزين، وهو أعلى بكثير من الفاقد بالتبخر في قطاع بحيرة تانا، كما تُعدّ شلالات تسيسات (25 كم من مخرج النهر، من بحيرة تانا) موقعاً مثالياً لإقامة محطة لتوليد الكهرباء.
وأيضاً اقترح الجانب المصري عبر اللجنة الدولية للخبراء الرجوعَ إلى الأبعاد الخاصة بـسدّ الحدود ذي السعة التصميمية 14.5 مليار م3 وارتفاع 90 متراً، والسابق دراستُهُ في مشروع تجارة الطاقة بالنيل الشرقي، مع الاتفاق على شروط المَلء التي تمنع حدوث أي آثار سلبية على مصر، إلا أنَّ إثيوبيا غيرت مواصفاته ليصبح ارتفاعه 145 متراً، وزادت سعته التخزينية لتصل إلى 74 مليار م3، ثم شرعت في بنائه.
بناءً على ما سبق، فما دواعي توليد الطاقة عبر تشييد سدّ النهضة بسعته التخزينية الضخمة غير المبررة، مع ما تشير إليه الدراسات من انخفاض الكفاءة الإنتاجية للسدّ من الطاقة لحوالي 30%، ووجود بدائل أكثر أماناً، لها القدرة على توليد الطاقة اللازمة.
وتؤكد المصادر أنّ سدّ النهضة لن يكون بديلاً عن مجموعة سدود المجرى الأدنى للنيل الأزرق بالأراضي الإثيوبية، ولكنه سيكون واحداً منها، بديلاً عن سدّ الحدود (أو بوردر)، وأنّ السدود الثلاثة الأخرى التي اقترحها مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي وهي كارادوبي، ومابيل، مندايا ستكون مكملة له، وسيجري إنشاؤها وفق الإطار الزمني المحدد (الجدول 1)، ومن المتوقع أن ترتفع سعة التخزين الكلية بقطاع المجرى الأدنى للنيل الأزرق، عبر سلسلة سدود النهضة (الجاري والمخطط إنشاؤها)، لتصلَ إلى حوالى 150 مليار م3، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف إيراد النيل الأزرق، وهو ما يضاعف من كمية المياه المطلوب حجزها لملء خزاناتها.
ويصل الإنتاج الإثيوبي من الطاقة الكهربائية إلى 2.128 ميغاوات عام 2011، وسوف يزيد مع إضافة الطاقة المولدة عبر سدود نهر أومو Omo المتجه نحو بحيرة توركانا (كينيا)، حيث يجري العمل في السدّ الثالث (Gibe-III) لتوليد 1870 ميغاوات، وينتهي العمل به مع نهاية العام الجاري. وقد أعلنت المؤسسة الإثيوبية للطاقة الكهربائية أنه بنهاية عام 2015 سيكتمل بناءُ ثمانية مشروعات لتوليد الطاقة الكهربائية، وأنّ هذه المشروعات ستولِّد مجتمعة حوالي 5.000 ميغاوات تقريباً، تزيد على 10.000 ميغاوات بحلول 2017 مع اكتمال سدّ النهضة. ومن المفارقات إعلان الجانب الإثيوبي عن مشروع لتصدير الطاقة إلى دول الجوار (داخل الحوض وخارجه)، بينما تعاني الدولة فقراً مدقعاً في الطاقة وبخاصةٍ مع حجمها السكاني الكبير، ومعدلات نموّها المرتفعة، وافتقارها إلى الشبكات اللازمة لتوصيل الكهرباء إلى المدن والقرى الإثيوبية المتناثرة عبر مسافات شاسعة في تضاريس وعرة، وظروف مناخية معقدة.
وكان المشروع ولا يزال باعثاً للقلق الشديد، في دولتَيْ المصبّ مصر والسودان بشأن حقوقهما التاريخية المكتسبة، التي لا تزيد على 74 مليار م3، بنسبة 4.2% فقط من إجمالي الموارد المائية المتجددة سنوياً بدول الحوض، فضلاً عن الأخطار والتهديدات الناشئة عنه.
مخاطر بناء سدّ النهضة الإثيوبي:
– يُعطي السدّ سيطرة أكبر لإثيوبيا على تدفق إمدادات النهر والتحكم بالأمن المائي لمصر والسودان، كما أنه لن يكون السدّ الأخير على النيل الأزرق أو على غيره.
– تتميز أنهار أثيوبيا أثناء موسم الفيضان بغزارة المياه، وتسهم سرعة اندفاعها وحمولتها من الطمي والصخور كبيرة الحجم واصطدامها المتكرر بجسم السدّ إلى تقليل عمره الافتراضي، وتهديده بالانهيار.
– تمثّل عملية ملء الخزان الضخم المرتبط بالسدّ أمراً مثيراً للجدل، له تداعياته الخطيرة على الأمن المائي في مصر، التي تعتمد بشكل كليٍّ تقريباً على النهر، فإذا ما استغرقت فترة الملء من 5 – 7 سنوات، فإنّ مَلء الخزان بسعته الإجمالية 74 مليار م3 يعني خفض تدفقات المياه القادمة من النيل الأزرق إلى مصر بنسبة بين 19% – 27% من الحصة المائية السنوية لمصر خلال تلك الفترة، وإنّ كلُّ ستة مليارات م3 من المياه تَنْقُصُها الحصةُ تعني جفاف مليون فدان، هذا في الوقت الذي تشهد فيه مصر عجزاً مائياً يصل إلى 29.2 مليار م3 بحلول عام 2025.
– سيكون له تأثير بالغ في توفير المياه اللازمة للري، وعدم القدرة على توليد الكهرباء لفترات طويلة، ومن المتوقع أن تُواجه الطاقةُ المولدة من السدّ العالي خفضاً تبلغ نسبته 6%.
– سيكون للسدّ تأثير سلبيّ في السودان، الذي سوف يُحرم من الطمي مثلما هي الحال في مصر وانعكاس ذلك على تدهور التربة، وصناعة الطوب. وأنّ مَلء بحيرة السدّ بسعتها الضخمة التي تبلغ 74 مليار م3 سوف يُحدث ضغطاً عظيماً على القاع، مما يُنذر بحدوث نشاط زلزالي في محيط البحيرة، ويهدّد أيضاً بانهيار السدّ، وتدمير سدَّي الروصيرص وسنار السودانيين، وغرق المناطق الواقعة في مسار النهر.
المقترحات للتخفيف من أثار السد السلبية:
– تشكيل لجنة مشتركة وبإشراف أممي لإدارة واستثمار مياه نهر النيل، وزيادة كفاءة استعمال المياه في دول الحوض، وحل الخلافات الناشئة وفقاً للاتفاقيات الدولية المبرمة.
– ضرورةُ تقديم دعم عربي رسمي، واستنهاض شعبي بعيدا عن سياسة المحاور والاستقطاب، بهدف الزام إثيوبيا الامتثال للقانون الدولي.
– ضرورة تمديد فترة ملء السد لأطول مدّة ممكنة، للتقليل من الأثار السلبية للسد على مصر والسودان.
– ضرورةُ إيجادِ مصالح اقتصادية مشتركة بين دول الحوض، وتعزيز التعاون في جميع المجالات.
– تطوير العلاقات مع الدول الأفريقية المجاورة لإثيوبيا، وخاصة إريتيريا، والصومال، وجيبوتي لإحداث نوعٍ من التوازن ضد النفوذ الخارجي في إثيوبيا.
– زيادة اللحمة الداخلية في كل من مصر والسودان، ومنح المزيد من الحريات والتعددية السياسية والمصالحة الداخلية تحت سقف الوطن لمجابهة التحديات الخارجية.
المصادر:
– Egyptian Geographic نهر النيل.. هبة الله التي حولت الصحراء المصرية إلي حضارة عريقة، مروة رسلان 17 يونيو.
– قراءات أفريقية، دراسات وبحوث، السدود المائية في حوض النيل بين دواعي التنمية وأدورات الضغط السياسي، الدكتور صبحي رمضان فرج، 12/6/2017.
– موضوع، ما هو منبع نهر النيل، أمنة شايسوغ، 3/7/2020.
– ويكيبيديا، نهر النيل.
pixabay.com