ساهم العلماء العرب والمسلمون في تطوير العلوم الجغرافية وكتبوا عن جغرافية المنطقة العربية وبلدان اسيا وافريقيا واوروبا لاسيما التضاريس الارضية والموارد المائية والتوزيع السكانى والبناء العمراني والتقاليد الاجتماعية والممارسات والطقوس الدينية والجوانب الاقتصادية في الزراعة والصناعة والتجارة ومشاريع الري وطرق المواصلات والاثار القديمة والجامعات ومعاهد العلم وعالم النبات وعالم الحيوان والاحجار الكريمة.
ان دراسة كتب الرحلات التي ألفها العرب خلال القرون الماضية تعطي الباحث معلومات قيمة عن الاسباب المنطقية التي دفعت العرب للسفر سنوات عديدة وجمع المعلومات عن طبيعة البلدان وحضارة الشعوب المجاورة. وقد ساهمت هذه الرحلات والكتب التي ألفها الرحالة العرب في زيادة التطور الحضاري في المنطقة العربية وأثرت في تطور المعرفة العلمية ونقلت العرب في العلوم والفنون والاداب والحضارة الى مرحلة متقدمة في سلم التطور العالمي.
ولا بد من القاء الضوء على مساهمات العرب في هذا المجال الحيوي من العلوم التطبيقية لاهمية استنباط الدروس والعبر من التاريخ والتراث العلمي الاسلامي القديم لدعم تطورنا المعاصر وكذلك كشف ابداعات العلماء العرب والمسلمين في مضامير العلم والحضارة.
وقد كشفت دراسة كتب البلدان التى اعدها الرحالة العرب عن جوانب مشرقة في مساهمة العرب في علم الجغرافيا بفروعه المختلفة وكذلك جوانب المعرفة الاخرى، ومن امثلة ذلك:
* ساهم العلماء العرب والمسلمون في دراسة المظاهر الطوبوغرافية للارض ورسم الخرائط وتعيين المدن المهمة وكتابة مقالات عديدة حول صفة الارض الكروية وتعيين خط الاستواء والمناطق القطبية وتعيين الجبال والسهول والهضاب والوديان ووصفها وشرح ظواهر المد والجزر.
* اسهمت كتب الجغرافيا العربية في وصف المدن العربية في اليمن والاندلس والجزيرة العربية وبلاد الشام وشمال افريقيا والمدن الاسلامية في بلاد الترك وارمينيا والهند والصين والحبشة. وقد وصفت المؤلفات العربية طبيعة المناخ والسكان والعمران في هذه المدن والمسافات التي تفصلها.
* وصفت الكتب العربية الانهار «منابع النيل ودجلة الفرات» والبحيرات والينابيع والعيون والابار والاهوار في منطقة البصرة وبحيرة طبريا في فلسطين وانواع الاسماك الموجودة فيها.
* تطرقت كتب الجغرافيا الى مسألة التوزيع البيئي للاحياء بما يسمى حاليا علم الجغرافيا البيولوجية حيث اشارت المراجع الى انواع الطيور والاهتمام بتربية الطيور الجارحة في اصقاع البلاد الاسلامية وعالم الاسماك البحرية وانواع التماسيح واللبائن الضخمة ( الفيل والكركدن ) والحيات السامة والقاتلة في الجزيرة العربية والاسماك في الخليج العربي.
وكذلك مسألة الاضاءة البيولوجية Biolumineces وجود الاسماك المضيئة وتربية النحل وانواع النباتات الطبية النافعة في علاج الامراض. وقد تكلم الرحالة العرب عن تقنيات الغوص وجمع اللؤلؤ من الحيوانات البحرية وجميع العطور وتجارة العنبر وهو من صموغ النباتات المتحجرة وكذلك جمع العطور والمسك من الحيوانات البرية وكيفية صيد الحيوانات البرية والتقنيات المطلوبة في صنع لمصائد.
* أشارت كتب الجغرافيا العربية الى عجائب الدنيا والاثار القديمة وخاصة الاهرامات المصرية ضمن الوصف العلمي الدقيق لهندسة البناء ومحتوياتها من التحف والموميات وادوات الزينة والمصوغات والاواني. وقد وصف علماء الجغرافيا والرحالة العرب والمسلمون المنائر والجوامع والاديرة والكنائس والمعابد والمجامع العلمية ودور الحكمة والمراصد ودور العلم والجامعات مثل الجامعة المستنصرية والمدرسة النظامية.
*كتب العلماء العرب والمسلمون عن المنتوجات الزراعية والمراعي والمنتوجات الصناعية وتجارة الاخشاب والجواهر والاحجار الكريمة.
* شملت كتابات العلماء العرب والمسلمين البناء المعماري للمدن الشهيرة وتاريخ بنائها ومهندسيها اصحاب الصنائع فيها واسواقها وشوارعها ومساجدها ومستشفياتها وحماماتها وحوانيتها.
الملاحة البحري
جاء اهتمام العلماء العرب والمسلمين بعلوم البحار خلال اهتمامهم بالمعلومات الجغرافية وخاصة رسم الخرائط وتعيين الانهار والجبال والمدن والخلجان والبحار. وقد اهتموا بدراسة خطوط الطول والعرض وتحديد مواقع المدن والاهتمام بتعاريف عديدة مثل خط الصفر ( خط طول ) والسمت والمحوروالقطب وكذلك تقسيم العالم الى اقاليم جغرافية على اساس اختلاف طول الليل والنهار حتى كانت المعلومات العلمية التي ثبتوها هي الاساس في تطور وازدهار علوم البحار.
وقد ظهرت مؤلفات عديدة في هذا المجال مثل مؤلفات احمد ماجد وسليمان المهري ( القرن العاشر الهجري ) والتى اعتبرت من الظواهر الجديدة في علم الجغرافيا الملاحية او الجغرافيا البحرية.
واشارت الابحاث العلمية في هذا الميدان من التراث العربي الاسلامي الى مساهمة العرب والمسلمين في المعرفة البحرية كالآتي :
* انّ منجزات العرب تعتبر من الوثائق الاساسية المبكرة في علوم البحار وشرح الطرق البحرية في المحيط الهندي.
* ان المنجزات العربية قد انعكست من خلال خبرة البحارة العرب والمسلمين وتأثيراتها الواضحة على الخبرة العالمية في هذا المجال العلمى والتي ساعدت الاوروبيون في استكشاف المناطق النائية في العالم.
* تعد المنجزات العلمية العربية الاسلامية هى الاساس في تطوير العلوم الحديثة وخاصة علم المحيطات.
* ان العلوم العربية الاسلامية في مجال الدراسات البحرية تعكس المكانة المرموقة للحضارة العربية في تاريخ التطور البشرى.
* انّ تطور علم الملاحة البحرية في العصر الاسلامي المبكر جاء في ضوء التطور في علوم الفلك ومعرفة النجوم منّ خلال حاجة الدولة الاسلامية الى ضرورات معرفة التوقيت الزمني ومعرفة الشهور العمرية.
يمكن القول في ختام هذه المقالة بأن الباحث والدارس لهذا التراث الحضاري العظيم الذي سجله العلماء العرب المسلمون يجد نفسه امام موسوعات علمية ضخمة وانجازات علمية رفيعة المستوى تشمل جوانب الحياة والعلم والحضارة في العصور المبكرة التي كانت فيها البشرية في مراحل بدائية فى كافة الحياة اليومية.
الأستاذ الدكتور محمد حسن الحمود