قدّم البروفسور نيل توروك، استاذ الرياضيات التطبيقية والفيزياء النظرية في جامعة كمبريدج البريطانية نظرية عن كيفية بدء الكون.
النظرية التى لم تجد ذلك الصدى الكبير عند بعض العلماء بخاصة العالم الشهير آلان غوث استاذ الفيزياء في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، تتحدى النظرة السائدة منذ اربعة عقود عن نشأة الكون والقائلة بان كل شيء في الكون نشأ من انفجار عظيم واحد.
اذ بدلا عن ذلك يقول توروك ان الانفجار العظيم لم يكن واحدا، وانما هو واحد من عدة انفجارات عظمى، وربما ملايين منها، حدثت في الكون.
بالمقابل فان عددا صغيرا لكنه متزايد من العلماء، بمن فيهم البروفسور بول ستاين هاردت / جامعة برنستون، يدعمون هذه النظرية، ويقولون انه اذا اثبتت صحتها فان اعمال العديد من العلماء العلمية وآلاف الاوراق عديمة ستكون عديمة الجدوى وبالتالي فلا غرابة في انهم يحاربون هذه النظرية الثورية التي تعني ايضا ان الوقت والمادة والطاقة كانت دائما موجودة وانها ستبقى كذلك.
ومن المعروف أن العالم الكبير البرت اينشتين هو الذي وضع العلم على سكة الانفجار العظيم، عندما اوضحت نظريته في النسبية العامة ان الفضاء يمكن ان يتمدد او يتقلص.
وبعد 14 عاما جاء العالم الفلكى الاميركي ادوين هبل ليحقق الاكتشاف التاريخي المتمثل في تباعد المجرات عن بعضها في كل مكان في الفضاء. وقد كان الاستنتاج الواضح من ذلك، انه اذا كان كل شيء يبتعد عن الاشياء الاخرى الآن فانها جميعا كانت ذات يوم قريبة جدا من بعضها، وربما نشأت في لحظة واحدة ومن نقطة واحدة.
من هذه النظرية والملاحظات جاءت فكرة الانفجار العظيم والتي في شكلها الحالي، تقترح ان الكون ظهر الى الوجود قبل 13.7 بليون سنة. وقد وجدت نظرية الانفجار العظيم دعما كبيرا على مدى السنين من عدة جوانب:
التمدد الملاحظ في عمر اقدم النجوم، ونسبة الضوء والعناصر الثقيلة التي وجدت في الكون. كما وجدت النظرية دعما من خارج العلوم أيضا.
في السبعينيات من القرن الماضي كان البروفسور آلان غوث واحد من الذين قالوا بأن نظرية الانفجار العظيم فشلت في تفسير كيف اصبحت الكرة النارية الحارة المضطربة كونا باردا بعناقيد مجرات مستقرة كما يرى الآن.
وبدلا من تحدي الفكرة بان الزمان والكون بداً من انفجار عظيم، فان غوث اقترح ان الكون الجديد تمدد فجأة تريليونات المرات في جزء من المليون من الثانية، وفكرة الانتفاخ هذه شكلت اساسا لاعمال كثير من العلماء، الا انه ثبت حديثا وجود العديد من الاخطاء الكبرى فيها، كما لا توجد طريقة مقبولة لدى كثير من الفيزيائيين تفسر كيفية حدوث ذلك. وقد فشلت الفكرة ايضا في تفسير اكتشاف الطاقة السوداء في التسعينيات من القرن الماضي وهو حقل الطاقة الذي يملأ الكون والذي يعتقد الآن انه سبب تمدد الكون.
نظرية توروك وستاين هاردت تقول ان الانفجار العظيم لم يكن بداية التاريخ، وانما ببساطة حدث من احداثه، وانه نشأ من اصطدام كوننا مع كون اخر موجود في بعد اخر.
يقترح توروك وستاين هاردت ان هذا الحدث قد يحصل كل تريليون سنة وعلى نحو متكرر، فان كان ما يقترحانه صحيحا، فهذا يعني أن الزمان كان دائما موجودا وكذلك الكون.
بالنسبة لغير المختصين في الفيزياء، تعد افكار توروك وستاين هاردت ثورية، لكن بعض الفلكيين كانوا على الدوام يقترحون افكارا للعديد من المشكلات الكونية بعيدا عن نظرية الإنفجار العظيم، ومن بين هؤلاء البروفسور ستيفن هاوكنغ زميل توروك في دائرة الرياضيات التطبيقية والفيزياء النظرية في جامعة كمبريدج.
يقترح هاوكنغ ان الكون له ابعاد عدة تصل الى 11 بعداً. وان كوننا قد يكون موجودا في داخل البعد الاعلى الذي يحتوي على كون آخر أو حتى أكوان أخرى.
وقد اقترح ايضا وجود ما يسمى (عوالم ظل) يمكن الكشف عن وجودها فقط من خلال تموجات دقيقة في خلفية جانبية كوننا.
على اية حال، وفي ضوء الجدل المستمر بين الفيزيائيين عن الكون ونشأته وأبعاده، يقول العلماء ان المشكلة تكمن في الحاجة الى وقت طويل حتى تتوفر ادوات يمكن ان تساعد في التوصل الى النظرية المقبولة ومن ذلك مراصد فلكية ارضية وفضائية افضل، مثل المسبار بلانك والذي من اهدافه البحث عن التموجات الدقيقة في درجة حرارة خلفية الموجات القصيرة الكونية، او (الصدى) الذي يعتقد بعض الفلكيين انه نتج عن الانفجار العظيم.
وتجدر الاشارة هنا الى ان تاريخ العلم شهد العديد من الفرضيات والنظريات ذات العلاقة بنشأة الارض والكون، ومن أشهرها :
* افتراض الفيلسوف الاغريقي ارسطو ان الفضاء ملىء بأثير غير مرئي، وهذا ما يفسر انتقال الضوء عبر الفضاء الفارغ وقد عاشت هذه النظرية 2000 سنة، حتى أثبت عالمان اميركيان في سنة 1887، م عدم وجود الاثير.
* افتراض الفيزيائي لورد كلفن ان عمر الارض يبلغ مئة مليون سنة، وذلك في ضوء ما وفرته قياسات النشاط الاشعاعي للصخور والتي تؤثر على عمرها، وقد وجد الجيولوجيون لاحقا ان عمر الارض يبلغ نحو 4.5 بليون سنة.
* يعتقد العديد من الفيزيائيين الان، انه بدعم العديد من النظريات الحالية، يجب ان يكون معظم الكون مكونا من (مادة سوداء ) لا ترى، والواقع انه حتى الان لم ترى هذه المادة او تقاس، حتى ان بعض العلماء يقترحون عدم وجودها.
*على مدى عقدين من السنوات سادت بين الفلكيين فكرة أن المادة مصنوعة من زنبركات دقيقة، بدل الجسيمات. لكن كتابين مهمين لعالمين شهيرين هاجما هذه النظرية، وعلى حد قول احد مؤلفي هذين الكتابين فان نظرية الزنبرك انتهت.
حيدر مدانات